للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والتابِعِين، ومَن بعدَهم، وقولَ أبى بكرٍ، وعمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنهما. وقد روَى أبو هُرَيْرَةَ، عن النبىِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّه قال في السَّارِقِ: «إِذَا سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَه، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَه» (١). ولأنَّه في المُحارَبَةِ المُوجِبَةِ قَطْعَ عُضْوَيْنِ، إنَّما تُقْطَعُ يَدُه ورِجْلُه، ولا تُقْطَعُ يَداه، فنقولُ: جنايةٌ أوْجَبَت قَطْعَ عُضْوَيْن، فكانا يَدًا ورِجْلًا، كالمُحارَبَةِ، ولأَنَّ قَطْعَ يَدَيْه يُفَوِّتُ مَنْفَعَةَ الجِنْسِ، فلا تَبْقَى له يدٌ يَأْكُلُ بها، ولا يتوضَّأ، ولا يَسْتَطِيبُ، ولا يَدْفَعُ عن نفسِه، فيصيرُ كالهالِكِ، فكان قَطْعُ الرِّجْلِ الذى لا يَشْتَمِلُ على هذه المَفْسَدَةِ أوْلَى. وأمَّا الآيةُ، فالمُرادُ بها قَطْعُ يَدِ كل واحدٍ منهما؛ بدليلِ أنَّه لا تُقْطَعُ اليدَان في المَرَّةِ الأُولَى. وفى قراءةِ عبدِ اللَّهِ: (فَاقْطَعُوَا أَيْمانَهُمَا). وإنَّما ذُكِرَ بلفظِ الجمعِ، لأَنَّ المُثَنَّى إذا أضِيفَ إلى المُثَنَّى ذُكِرَ بلفظِ الجمع، كقولِه تعالى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} (٢). إذا ثَبَت هذا، فإنَّه تُقْطَعُ رِجْلُه اليُسْرَى؛ لقولِ اللَّهِ تعالى: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ} (٣). ولأَنَّ قَطْعَ اليُسْرَى أرْفقُ به، لأنَّه يُمْكِنُه المَشْىُ على خَشَبَةٍ، ولو قُطِعَتْ رِجْلُه اليُمْنَى


(١) أخرجه الدارقطنى، في: كتاب الحدود والديات وغيره. سنن الدارقطنى ٣/ ١٨١. وهو حديث صحيح بشواهده. انظر الإرواء ٨/ ٨٥ - ٨٩.
(٢) سورة التحريم ٤.
(٣) سورة المائدة ٣٣.