أبى مُعَيْطٍ صَبْرًا (١)، وقَتَلَ أبا عَزَّةَ يومَ أُحُدٍ. وهذه قصصٌ اشْتُهِرَتْ وعُلِمَتْ، وفَعَلَها النبىُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مَرَّاتٍ، وهو دليل على جَوازِها. ولأنَّ كلَّ خَصْلَةٍ يِن هذه الخِصالِ قد تَكُونُ أصْلَحَ في بَعْضِ الأسْرَى؛ فإنَّ فيهم مَن له قُوَّة ونِكايَةٌ في المسلمين، فقَتْلُه أصْلَحُ، ومنهم الضَّعِيفُ الَّذى له مالٌ كثيرٌ، ففِداؤُه أصْلَحُ، ومنهم حَسَنُ الرَّأْى في المسلمين، يُرْجَى إسْلامُه بالمَنِّ عليه، أو مَعُونَتُه للمسلمين بتَخْلِيصِ أَسْراهم، أو الدَّفْعِ عنهم، فالمَنُّ عليه أصْلَحُ، ومنهم مَن يُنْتَفَعُ بخِدْمَتِه، ويُؤْمَنُ شَرُّه، فاسْتِرْقاقُه أصْلَحُ، كالنِّساءِ والصِّبْيانِ، والإِمامُ أعْلَمُ بالمَصْلَحَةِ، ففُوِّضَ ذلك إليه. إذا ثَبَت ذلك، فإنَّ هذا تَخْييرُ مَصْلَحَةٍ واجْتِهادٍ، لا تَخْييرُ شَهْوَةٍ، فمتى رَأى المَصْلَحَةَ في خَصْلَةٍ، لم يَجُزِ اخْتِيارُ غيرِها؛ لأنَّه يتَصَرَّف لهم على سَبِيلِ النَّظَرِ لهم، فلم يَجُزْ له تَرْكُ ما في الحَظُّ، كوَلِىِّ اليَتِيمِ. ومتى حَصَل عندَه تَرَدُّدٌ في هذه الخِصالِ، فالقَتْلُ أوْلَى. قال مُجاهِدٌ في أمِيرَيْن، أحَدُهما، يَقْتُلُ الأسْرَى: وهو أفْضَلُ. وكذلك قال مالِكٌ.
(١) أخرج حديث قتل النضر وعقبة، ابن أبى شيبة، في: باب غزوة بدر الكبرى، من كتاب المغازى. المصنف ١٤/ ٣٧٢. والبيهقى، في: باب ما يفعله بالرجال البالغين منهم، من كتاب السير. السنن الكبرى ٩/ ٦٤، ٦٥. وأخرج حديث قتل عقبة أبو داود، في: باب في قتل الأسير صبرا، من كتاب الجهاد. سنن أبى داود ٢/ ٥٥. وعبد الرزاق، في: باب في قتل أهل الشرك صبرا وفداء الأسرى، وباب من أسر النبى -صلى اللَّه عليه وسلم- من أهل بدر، من كتاب الجهاد. المصنف ٥/ ٢٠٥، ٢٠٦، ٣٥٢.