وذكر صاحب المقتفى: أن حميضة لما علم بسفر هذا العسكر من مكة، حضر إلى مكة بعد جمعة، وقاتل أخاه ـ يعنى أبا الغيث ـ وقتل نحو خمسة عشر نفرا، ومن الخيل أكثر من عشرين فرسا، وملك مكة، ولجأ أبو الغيث إلى أخواله من هذيل بوادى نخلة مكسورا، ثم إن حميضة أرسل خيلا إلى السلطان، فحبس رسوله، ولم يرض عنه، وأرسل بعده أبو الغيث هدية، فوعد السلطان بنصره وإرسال عسكر إليه. انتهى.
وهذه ولايته الثالثة التى استقل بها فى المدة التى تقدم ذكرها، أو فى أكثرها، واستقلاله بإمرة مكة فى بعضها متحققة.
وقد ذكر صاحب المقتفى من خبره بعد ذلك؛ لأنه قال: وفى يوم الثلاثاء رابع ذى الحجة، يعنى من سنة أربع عشرة وسبعمائة، وقعت حرب بين الأخوين حميضة وأبى الغيث، ولدى أبى نمى، بالقرب من مكة، وانتصر حميضة، وجرح أبو الغيث، ثم ذبح بأمر أخيه. وكان جماعة أبى الغيث أكثر عددا، ولكن رزق حميضة النصر. واستقر بمكة. انتهى.
وقال فى أخبار سنة خمس عشرة وسبعمائة: ولما بلغ حميضة بن أبى نمى وصول العسكر مع أخيه، وأنهم قاربوا مكة، نزح قبل وصولهم بستة أيام. وأخذ المال النّقد والبز، وهو مائة حمل، وأحرق الباقى فى الحصن الذى فى الجديد، وبينه وبين مكة [ ....... ](١) وقطع ألفى نخلة. وكان مرض قبل ذلك فى شعبان، وتغير سمعه، وحضر إلى بيت الله الحرام وتاب.
وذكر عنه أنه ما يتعرض لإيذاء المجاورين ولا التجار ولا غيرهم، وكان وصول العسكر إلى مكة يوم السبت منتصف رمضان، وأقاموا بها ثلاثة عشر يوما، ثم توجهوا إلى الخليف، وهو حصن بينه وبين مكة ستة أيام، والتجأ حميضة إلى صاحبه، وصاهره لعله يحتمى به، فواقع العسكر حميضة وصاحب الحصن المذكور، وأخذ جميع أموال حميضة وخزانته، ونهب الحصن وأحرق، وأسر ولد حميضة ابن اثنى عشر سنة، وسلّم إلى عمه رميثة، ثم رجع الجيش إلى مكة، فوصلوها فى الخامس والعشرين من ذى القعدة، واستقروا إلى أن حضروا الموقف، ورجعوا مع المصريين، واستقر الأمير رميثة بمكة. ونجا أخوه حميضة بنفسه، ولحق بالعراق. كتب إلينا بذلك أمين الدين الوانى. انتهى.
وسيأتى إن شاء الله تعالى شيء من خبر هذا العسكر، فى ترجمة رميثة بن أبى نمى.