للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٥٥٧ - وَمِنْهُ الاخْتِلَافُ لِلصَّحَابَةْ … الْحُكْمُ وَاحِدٌ بِلَا اسْتِرَابَهْ

قال الشاطبي: (وأما مواضع الاجتهاد فهي راجعة إلى نمط التشابه، لأنها دائرة بين طرفي نفي وإثبات شرعيين، فقد يخفى هنالك وجه الصواب من وجه الخطأ. وعلى كل تقدير إن قيل بأن المصيب واحد فقد شهد أرباب هذا القول بأن الموضع ليس مجال الاختلاف، ولا هو حجة من حجج الاختلاف، بل هو مجال استفراغ الوسع، وإبلاع الجهد في طلب مقصد الشارع المتحد. فهذه الطائفة على وفق الأدلة المقررة أولا. وإن قيل إن الكل مصيبون فليس على الإطلاق، بل بالنسبة إلى كل مجتهد أو من قلده، لاتفاقهم على أن كل مجتهد لا يجوز له الرجوع عما أداه إليه اجتهاده، ولا الفتوى إلا به، لأن الإصابة عندهم إضافية لا حقيقية، فلو كان الاختلاف سائغا على الإطلاق لكان فيه حجة. وليس كذلك.

فالحاصل أنه لا يسوغ على هذا الرأي إلا قول واحد، غير أنه إضافي، فلم يثبت به اختلاف مقرر على حال، وإنما الجميع محومون على قول واحد هو قصد الشارع عند المجتهد، لا قولان مقرران، فلم يظهر إذًا من قصد الشارع وضع أصل للاختلاف، بل وضع موضع للاجتهاد في التحويم على إصابة قصد الشارع الذي هو واحد) (١)، ومن هناك لا تجد مجتهدا يثبت لنفسه قولين معا أصلا، وإنما يثبت قولا واحدا وينفي ما عداه. وقد مر جواب مسألة التصويب والتخطئة.

وأما تجويز أن يأتي دليلان متعارضان فإن أراد الذاهبون إلى ذلك التعارض في الظاهر وفي أنظار المجتهدين، لا في نفس الأمر، فالأمر على ما قالوه جائز، ولكن لا يقضي ذلك بجواز التعارض في أدلة الشريعة. وإن أرادوا تجويز ذلك في نفس الأمر فهذا لا ينتحله من يفهم الشريعة؛ لورود ما تقدم من الأدلة عليه، ولا أظن أن أحدا منهم يقوله (٢).

"و" هذا الاختلاف الفقهي المبني على ما ذكر "منه" كذلك "الاختلاف" الحاصل "للصحابة" في بعض الأحكام الفقهية "فالحكم" فيما اختلفوا ليس متعددا في واقع الأمر وإنما هو "واحد" فيه كما في كل ما جرى فيه الاختلاف الفقهي، وهذا أمر مقطوع بثبوته "بلا استرابة" أي شك.


(١) الموافقات ٤/ ص ٩٢.
(٢) الموافقات ٤/ ص ٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>