" و" أما "ما أتى" من الخبر "في شأن الاقتداء بأيهم كان" الذي ورد في حديث مروي من عدة طرق كلها ضعيفة، وهو "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" فإنه مع فرض صحته وتسليم كونه دليلا في هذا المقام موجه بأن المراد منه هو أنه - أي قول الصحابي - حجة على انفراد كل واحد منهم، أي أن من استند إلى قول أحدهم مصيب من قلد قول أحد المجتهدين، لا أن أقول كل واحد منهم حجة في نفس الأمر بالنسبة إلى كل واحد. فإن هذا مناقض لما تقدم.
وأما من قال: إن اختلاف الصحابة رحمة - كما روي ذلك عن القاسم بن محمد وعمر بن عبد العزيز - "فـ" إن ذلك جار في الذي مهدوه من سبل النظر في النصوص الشرعية ومن مناهج بناء الأحكام الفقهية بطريقة اعتبار أصول الفقه المختلفة كسد الذريعة ورعاية المال، والأخذ بدلالة الإلتزام "في"زمان "ابتداء" النظر الفقهي ونشوءه قال القاضي إسماعيل: "إنما التوسعة في اختلاف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توسعة في اجتهاد الرأي؛ فإما أن يكون توسعة أن يقول الإنسان بقول واحد منهم من غير أن يكون الحق عنده فيه فلا، ولكن اختلافهم يدل على أنهم اجتهدوا فاختلفوا. قال ابن عبد البر: كلام إسماعيل هذا حسن جدا"(١).
وذلك أن الصحابة لما جاءتهم مواضع الاشتباه وكلوا ما لم يتعلق به عمل إلى عالمه على مقتضى قوله:{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}[آل عِمرَان: ٧] ولم يكن لهم بد من النظر في متعلقات الأعمال، لأن الشريعة قد كملت، فلا يمكن خلو الوقائع عن أحكام الشريعة، فتحروا أقرب الوجوه عندهم إلى أنه مقصود الشارع. فلو فرض أن الصحابة لم ينظروا في هذه المشتبهات الفرعية ولم يتكلموا فيها - وهم القدوة في فهم الشريعة والجري على مقاصدها - لم يكن لمن بعدهم أن يفتح ذلك الباب، للأدلة الدالة على ذم الاختلاف وأن الشريعة لا اختلاف فيها، ومواضع الاشتباه مظان الاختلاف في إصابة الحق فيها، فكان المجال يضيق على من بعد الصحابة. فلما اجتهدوا ونشأ من اجتهادهم في تحري الصواب الاختلاف سهل على من بعدهم سلوك الطريق، فلذلك - والله أعلم - قال عمر بن عبد العزيز: ما يسرني أن لي باختلافهم حمر النعم. وقال: