للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٥٩٠ - مِنَ الْمَفَاسِدِ أَوِ الْمَنَافِعِ … بَلْ شَرْطُهُ الْعِلْمُ بِقَصْدِ الشَّارعِ

المذكورة "من المفاسد أو المنافع"، أو رعاية معان - قواعد - مسلمة من صاحب الاجتهاد - وسيأتي التمثيل له - فهذا غير محتاج فيه إلى العلم بالعربية "بل شرطه" الذي يتوقف عليه حصوله هو "العلم بقصد" يعني مقاصد "الشارع" من الشريعة التي تقدم بيانها، وبسط القول في شأنها.

والدليل على اشتراط علم العربية في الضرب الأول من الاجتهاد، وعدم اشتراطه في هذا الضرب: أن علم العربية إنما يفيد مقتضيات الألفاظ بحسب ما يفهم من الألفاظ الشرعية، وألفاظ الشارع المؤدية لمقتضياتها عربية، فلا يمكن من ليس بعربي أن يفهم لسان العرب، كما لا يمكن التفاهم بين العربي والبربري أو الرومي أوالعبراني حتى يعرف كل واحد مقتضى لسان صاحبه وأما المعاني مجردة فالعقلاء مشتركون في فهمها، فلا يختص بذلك لسان دون غيره فإذا من فهم مقاصد الشرع من وضع الأحكام، وبلغ فيها رتبة العلم بها، ولو كان فهمه لها من طريق الترجمة باللسان الأعجمي، فلا فرق بينه وبين من فهمها من طريق اللسان العربي. ولذلك يوقع المجتهدون الأحكام الشرعية على الوقائع القولية التي ليست بعربية، ويعتبرون الألفاظ في كثير من النوازل وأيضا فإن الاجتهاد القياسي غير محتاج فيه إلى مقتضيات الألفاظ إلا فيما يتعلق بالمقيس عليه وهو الأصل، وقد يؤخذ مسلما؛ أو بالعلة المنصوص عليها أو التي أومأ إليها، ويؤخذ ذلك مسلما، وما سواه فراجع إلى النظر العقلي (١).

وإلى هذا النوع يرجع الاجتهاد المنسوب إلى أصحاب الأئمة المجتهدين كابن القاسم وأشهب في مذهب مالك، وأبي يوسف ومحمد بن الحسن في مذهب أبي حنيفة، والمزني والبويطي في مذهب الشافعي؛ فإنهم على ما حكي عنهم يأخذون أصول إمامهم وما بني عليه في فهم ألفاظ الشريعة، ويفرعون المسائل ويصدرون الفتاوي على مقتضى ذلك. وقد قبل الناس أنظارهم وفتاويهم وعملوا على مقتضاها، خالفت مذهب إمامهم أو وافقته: وإنما كان كذلك لأنهم فهموا مقاصد الشرع في وضع الأحكام، ولولا ذلك لم يحل لهم الإقدام على الاجتهاد والفتوى، ولا حل لمن في زمانهم أو من بعدهم من العلماء أن يقرهم على ذلك، ولا يسكت عن الإنكار عليهم على الخصوص، فلما لم يكن


(١) الموافقات ٤/ ص ١١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>