للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وكذلك لا ينبغي أن يشنع عليه بها ولا ينتقص من أجلها، أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحثا، فإن هذا كله خلاف ما تقتضي رتبته في الدين، وقد تقدم من كلام معاذ بن جبل وغيره ما يرشد إلى هذا المعنى.

وقد روي عن ابن المبارك أنه قال: كنا في الكوفة فناظروني في ذلك - يعني في النبيذ المختلف فيه - فقلت لهم: تعالوا فليحتج المحتج منكم عمن شاء من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرخصة، فإن لم نبين الرد عليه عن ذلك الرجل بشدة صحت عنه فاحتجوا. فما جاؤوا عن واحد برخصة إلا جئناهم بشدة، فلما لم يبق في يد أحد منهم إلا عبد الله بن مسعود، وليس احتجاجهم عنه في رخصة النبيذ بشيء يصح عنه. قال ابن المبارك فقلت للمحتج عنه في الرخصة: يا أحمق؛ عد أن ابن مسعود لو كان ههنا جالسا فقال هو لك حلال وما وصفنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في الشدة، كان ينبغي لك أن تحذر أو تحير أو تخشى. فقال قائلهم: يا أبا عبد الرحمن: فالنخعي والشعبي وسمى عدة معهما كانوا يشربون الحرام؟ فقلت لهم: دعوا عند الاحتجاج تسمية الرجال، فرب رجل في الإسلام مناقبه كذا وكذا، وعسى أن يكون منه زلة. أفلأحد أن يحتج بها؟ فإن أبيتم فما قولكم في عطاء وطاوس وجابر بن زيد وسعيد بن جبير وعكرمة؟ قالوا: كانوا خيارا. قال فقلت: فما قولكم في الدرهم بالدرهمين يدا بيد؟ فقالوا: حرام. فقال ابن المبارك: إن هؤلاء رأوه حلالا فماتوا وهم يأكلون الحرام، فبقوا وانقطعت حجتهم هذا ما حكى.

والحق ما قال ابن المبارك: فإن الله تعالى يقول: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النِّسَاء: ٥٩] الآية. فإذا كان بينا ظاهرا أن قول القائل مخالف للقرآن أو للسنة لم يصح الاعتداد به ولا البناء عليه، ولأجل هذا ينقض قضاء القاضي إذا خالف النص أو الإجماع، مع أن حكمه مبني على الظواهر مع إمكان خلاف الظاهر" ولا ينقض مع الخطأ في الاجتهاد وإن تبين، لأن مصلحة نصب الحاكم تناقض نقض حكمه. ولكن ينقض مع مخالفة الأدلة، لأنه حكم بغير ما أنزل الله (١).


(١) الموافقات ٤/ ص ١٢٣ - ١٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>