للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ولم يبق عليه في العلم بحقائقها مطلب فالذي حصل عنده هو كلية الشريعة، وعمدة النحلة ومنبع التكليف فلا عليه أنظر في خصوصياتها المنصوصة أو مسائلها الجزئية أم لا، إذ لا يزيده النظر في ذلك زيادة، إذ لو كان كذلك لم يكن واصلا بعد إلى هذه المرتبة، وقد فرضناه واصلا هذا خلف.

ووجه ثان، وهو أن النظر في الجزئيات والمنصوصات إنما مقصوده التوصل إلى ذلك المطلوب الكلي الشرعي، حتى يبنى عليه فتياه ويرد إليه حكم اجتهاده فإذا كان حاصلا فالتنزل إلى الجزئيات طلب لتحصيل الحاصل وهو محال.

ووجه ثالث وهو أن كلي المقصود الشرعي إنما انتظم له من التفقه في الجزئيات والخصوصات، وبمعانيها ترقى إلى ما ترقى إليه فإن تكن في الحال غير حاكمة عنده لاستيلاء المعنى الكلي، فهي حاكمة في الحقيقة، لأن المعنى الكلي منها انتظم، ولأجل ذلك لا تجد صاحب هذه المرتبة يقطع بالحكم بأمر إلا وقامت له الأدلة الجزئية عاضدة وناصرة، ولو لم يكن كذلك لم تعضده ولا نصرته فلما كان كذلك ثبت أن صاحب هذه المرتبة متمكن جدا من الاستنباط والاجتهاد. وهو المطلوب.

وللمانع أن يحتج على المنع من أوجه:

منها أن صاحب هذه المرتبة إذا فاجأته حقائقها وتعاضدت مراميها، واتصل له بالبرهان ما كان منها عنده مقطوعا حتى صارت الشريعة في حقه أمرا متحدا ومسلكا منتظما، لا يزل عنه من مواردها فرد ولا يشذ له عن الاعتبار منها خاص إلا وهو مأخوذ بطرف لا بد من اعتباره عن طرف آخر لا بد أيضا من اعتباره، إذ قد تبين في كتاب الأدلة أن اعتبار الكلي مع اطراح الجزئي خطأ كما في العكس. وإذا كان كذلك لم يستحق من هذا حاله أن يترقى إلى درجة الاجتهاد حتى يكمل ما يحتاج إلى تكميله.

ومنها أن للخصوصيات خواص يليق بكل محل منها ما لا يليق بمحل آخر، كما في النكاح مثلا فإنه لا يسوغ أن يجرى مجرى المعاوضات من كل وجه، كما أنه لا يسوغ أن يجرى مجري الهبات والنحل من كل وجه، وكما في مال العبد وثمرة الشجرة والقرض والعرايا وضرب الدية على العاقلة والقراض والمساقاة، بل لكل باب ما يليق به ولكل خاص خاصية تليق به لا تليق بغيره. وكما في الترخصات في العبادات

<<  <  ج: ص:  >  >>