لكن يجب أن يعلم "و" يقرر أن "مقتضى" وحكم "التحديد" لما هو واجب ولما هو دونه ولما هو حرام ولما هو دونه والفصل بين ذلك كله، وما أشبهه، "والتقدير" أي بيان المقادير التي تتعلق بالأحكام بالتفاصيل سواء كانت أموالا أو حدودا، أو غيرها "هو" المنهج "الذي يليق بالجمهور" لأن ذلك هو الموافق لقدراتهم العادية، والجاري على وفق أخذهم لحظوظهم المباحة لهم شرعا مع إلزامهم بما لا بد منه من أمورهم الدينية، وبذلك "فـ" إن هذا المنهج "هو مجال" النظر الفقهي والفتيا، وهو الميدان المعلوم "لاجتهاد الفقها" وذلك "ليقفوا الجمهور عند منتهى" حظوظهم، وغاية ما لهم من الحقوق، وما لا بد أن يتحملوه من الواجبات.
وذلك الذي عليه أرباب الأحوال المذكورون في شأن الإنفاق لما يملكون، هو الذي عليه أغلب الصحابة - كما يقول الشاطبي - قال: ولم يكن إمساكهم - يعني لبعض المال - مضادا لاعتمادهم على مسبب الأسباب - سبحانه وتعالى - إلا أن هذا الرأي أجرى على اعتبار سنة الله - تعالى - في العاديات والأول - وهو من لا يمسك شيئا من المال - (ليس للعاديات عنده مزية في جريان الأحكام على العباد. وأما من أبقى لنفسه حظا فلا حرج عليه، قد أثبت له حظه من التوسع في المساحات على شرط عدم الإخلال بالواجبات وهكذا يجب أن ينظر في كل خصلة من الخصال المكية حتى يعلم أن الأمر كما ذكر فالصواب والله أعلم أن أهل هذا البلد معاملون حكما بما قصدوا من استيفاء الحظوظ فيجوز لهم ذلك بخلاف القسمين الأولين وهما من لا يأخذ بتسببه أو يأخذ به ولكن على نسبة القسمة ونحوها فإن قيل فلم لا تقع الفتيا بمقتضى هذا الأصل عند الفقهاء فاعلم أن النظر فيه خاص لا عام بمعنى أنه مبني على حالة يكون المستفتي عليها وهو كونه يعمل لله ويترك لله في جميع تصاريفه فسقط له طلب الحظ لنفسه فساغ أن يفتي على حسب حاله لأنه يقول هذه حالتي فاحملني على مقتضاها فلا بد أن يحمله على ما تقضيه كما لو قال أحد للمفتي إني عاهدت الله على أن لا أمس فرجي بيميني أو عزمت على ألا أسأل أحدا شيئا وأن لا تمس يدي يد مشرك وما أشبه هذا فإنه عقد لله على فعل فضل وقد قال تعالى:{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ}[النحل: ٩١] ومدح الله في كتابه الموفين بعهدهم إذا عاهدوا وهكذا كان شأن المتجردين لعبادة الله فهو مما