للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المقتدى به، فأدى إلى بناء الاقتداء على غير شيء، وذلك باطل بخلاف الاقتداء بناء على ظهور علاماته فإنه إنما انبنى على أمر حصل للمقتدي به علما أو ظنا وإياه قصد المقتدي باقتدائه فصار كالاقتداء به في الأمور المتعينة. والثالث أن هذا الإقتداء يلزم منه التناقض، لأنه إنما يقتدي به بناء على أنه كذلك في نفس الأمر ظنا مثلا ومجرد تحسين الظن لا يقتضي أنه كذلك في نفس الأمر لا علما ولا ظنا، وإذا لم يقتضه لم يكن الاقتداء به بناء على أنه كذلك في نفس الأمر، وقد فرضنا أنه كذلك. هذا خلف متناقض. وإنما يشتبه هذا الموضع من جهة اختلاط تحسين الظن بنفس الظن. والفرق بينهما ظاهر؛ لأمرين؛ أحدهما: أن الظن نفسه يتعلق بالمقتدى به مثلا بقيد كونه في نفس الأمر كذلك، حسبما دلت عليه الأدلة الظنية. بخلاف تحسين الظن، فإنه يتعلق به كان في الخارج على حسب ذلك الظن أولا. والثاني: أن الظن ناشئ عن الأدلة الموجبة له ضرورة لا انفكاك للمكلف عنه، وتحسين الظن أمر اختياري للمكلف غير ناشئ عن دليل يوجبه. وهو يرجع إلى نفي بعض الخواطر المضطربة الدائرة بين النفي والإثبات في كل واحد من الاحتمالين المتعلقين بالمقتدى به: فإذا جاءه خاطر الاحتمال الأحسن قواه وثبته بتكراره في فكره ووعظ النفس في اعتقاده؛ وإذا أتاه خاطر الاحتمال الآخر ضعفه ونفاه، وكرر نفيه على فكرة ومحاه عن ذكره. فإن قيل إذا كان المقتدى به ظاهره والغالب من أمره الميل إلى الأمور الأخروية والتزود للمعاد والانقطاع إلى الله، ومراقبة أحواله فيما بينه وبين الله فالظاهر منه أن هذا الفرد المحتمل ملحق بذلك الأعم الأغلب، شأن الأحكام الواردة على هذا الوزان.

فالجواب أن هذا الفرد إذا تعين هكذا على هذا الفرض فقد يقوى الظن بقصده إلى الاحتمال الأخروي، فيكون مجال الاجتهاد كما سيذكر بحول الله؛ ولكن ليس هذا الفرض بناء على مجرد تحسين الظن، بل على نفس الظن المستند إلى دليل يثيره والظن الذي يكون هكذا قد ينتهض في الشرع سببا لبناء الأحكام عليه، وفرض مسألتنا ليس هكذا، بل على جهة أن لا يكون لأحد الاحتمالين ترجيح يثير مثله غلبة الظن بأحد الاحتمالين، ويضعف الاحتمال الآخر؛ كرجل متق لله محافظ على امتثال أوامره واجتناب نواهيه، ليس له في الدنيا شغل إلا بما كلف من أمر دينه بالنسبة إلى دنياه وآخرته. فمثل هذا له في هذه الدار حالان: (حال دنيوي) به يقيم معاشه ويتناول ما من

<<  <  ج: ص:  >  >>