للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الله به عليه من حظوظ نفسه، و (حال أخروي) به يقيم أمر آخرته فأما هذا الثاني فلا كلام فيه، وهو متعين في نفسه وغير محتمل إلا في القليل، ولا اعتبار بالنوادر. وأما الأول فهو مثار الاحتمال: فالمباح مثلا يمكن أن يأخذه من حيث حظ نفسه، ويمكن أن يأخذه من حيث حق ربه عليه في نفسه. فإذا عمله ولم يدر وجه أخذه فالمقتدي به بناء على تحسين ظنه به وأنه إنما عمله متقربا إلى الله ومتعبدا له به فيعمل به على قصد التقرب ولا مستند له إلا تحسين ظنه بالمقتدى به، ليس له أصل ينبني عليه؛ إذ يحتمل احتمالا قويا أن يقصد المقتدى به نيل ما أبيح له من حظه، فلا يصادف قصد المقتدي محلا، بل إن صادف أمرا مباحا صيرة متقربا به، والمباح لا يصح التقرب به كما تقدم تقريره في كتاب الأحكام بل نقول: إذا وقف المقتدى به وقفة، أو تناول ثوبه على وجه أو قبض لحيته في وقت ما أو ما أشبه ذلك، فأخذ هذا المقتدي يفعل مثل فعله بناء على أنه قصد به العبادة مع احتمال أن يفعل ذلك لمعنى دنيوي أو غافلا، كان هذا المقتدي معدودا من الحمقى والمغفلين. فمثل هذا هو المراد بالمسألة. وكذلك إذا كان له درهم مثلا فأعطاه صديقا له لصداقته، وقد كان يمكن أن ينفقه على نفسه ويصنع به مباحا أو يتصدق به، فيقول المقتدي حسن الظن به يقتضي أنه يتصدق به، لكن آثر به على نفسه في هذا الأمر الأخروي، فيجئ منه جواز الإيثار في الأمور الأخروية. وهذا المعنى لحظ بعض العلماء في حديث: (واختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة) فاستنبط منه صحة الإيثار في أمور الآخرة؛ إذ كان إنما يدعو بدعوته التي أعطيها في أمر من أمور الآخرة لا في أمور الدنيا. فإذا بنينا على ما تقدم فلقائل أن يقول إن ما قاله غير متعين. لأنه كان يمكنه أن يدعو بها في أمر من أمور دنياه، لأنه لا حجر عليه ولا قدح فيه ينسب إليه، فقد كان عليه الصلاة والسلام يحب من الدنيا أشياء وينال مما أعطاه الله من الدنيا ما أبيح له، ويتعين ذلك في أمور كحبه للنساء والطيب والحلواء والعسل والدباء وكراهيته للضب وأشباه ذلك. وكان يترخص في بعض الأشياء مما أباح الله له، وهو منقول كثيرا.

ووجه ثان وهو أنه قد دعا عليه الصلاة والسلام بأمور كثيرة دنيوية كاستعاذته من الفقر والدين وغلبة الرجال وشماتة الأعداء والهم وأن يرد إلى أرذل العمر، وكان يمكنه أن يعوض من ذلك أمور الآخرة فلم يفعل. ويدل عليه في نفس المسألة أن جملة من

<<  <  ج: ص:  >  >>