الأنبياء دعوا الدعوة المضمونة الإجابة لهم المذكورة في قوله:(لكل نبى دعوة مستجابة) في أمته على وجه مخصوص بالدنيا جائز لهم، وهو الدعاء عليهم؛ كقوله وقال نوح {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}[نوح: ٢٦] حسبما نقله المفسرون وكان من الممكن أن يدعو بغير ذلك مما فيه صلاح لهم في الآخرة. فكونهم فعلوا ذلك وهم صفوة الله من خلقه دليل على أنه لا يتعين في حقهم أن تكون جميع أعمالهم وأقوالهم مصروفة إلى الآخرة فقط، فكذلك دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لا يتعين فيها أمر الآخرة البتة. فلا دليل في الحديث على ما قال هذا العالم.
وأمر ثالث: وهو أنا لو بنينا على هذا الأصل لكنا نقول ذلك القول في كل فعل من أفعاله عليه الصلاة والسلام، كان من أفعال الجبلة الآدمية أولا إذ يمكن أن يقال إنه قصد بها أمورا أخروية وتعبدا مخصوصا، وليس كذلك عند العلماء؛ بل كان يلزم منه أن لا يكون له فعل من الأفعال مختصا بالدنيا إلا من بين أنه راجع إلى الدنيا، لأنه لا يتبين إذ ذاك كونه دنيويا لخفاء قصده فيه حتى يصرح به. وكذلك إذا لم يبين جهته لأنه محتمل أيضا، فلا يحصل من بيان أمور الدنيا إلا القليل. وذلك خلاف ما يدل عليه معظم الشريعة. فإذا ثبت صح أن الاقتداء على هذا الوجه غير ثابت، وأن الحديث لا دليل فيه من هذا الوجه.
مع أن الحديث - كما تقدم - يقتضي أن الدعوة مخصوصة بالأمة؛ لقوله فيه:(لكل نبي دعوة مستجابة في أمته) فليست مخصوصة به، فلا يحصل فيها معنى الإيثار الذي ذكره؛ لأن الإيثار ثان عن قبول الانتفاع في جهة المؤثر، وهنا ليس كذلك (١).
هذا هو بيان القسم الأول وبيان حكمه وحاله وحال الاقتداء الجاري فيه، وحكمه.
وأما "ثانيهما" أي القسمين فإنه "يأتي على أقسام" ثلاثة:
أحدهما:"منتصب بمقصد" وغرض "الإعلام" والإخبار "بـ" جريان الاقتداء "بفعله" قصدا، وذلك "كـ" أفعال "سائر الحكام" ونواهيهم "لكونهم في مقطع الأحكام"