للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٨٩١ - وَأَنَّهَا نُعْمَى عَلَى الْعِبَادِ … وَسَبَبُ النَّجَاةِ فِي الْمَعَادِ

٢٨٩٢ - وَمِنْ هُنَا تَوَارُدُ الأَخْبَارِ … بِأَنَّهَا حَقٌّ لِلاسْتِبْصَارِ

٢٨٩٣ - فَذَمُّهَا لَيْسَ عَلَى الإِطْلَاقِ … وَمَدْحُهَا لَيْسَ لِلاسْتِغْرَاقِ

٢٨٩٤ - وَأَخْذُهَا بِالاعْتِبَارِ الأوَّلِ … يُذَمُّ فَهْوَ رَغْبَةُ الْمُسْتَعْجِلِ

" و" بذلك فإن العاقل إذا نظر إليها بهذا النظر أدرك "أنها نعمى" من رب العالمين "على العباد و" أن فيها يكتسب "سبب النجاة في المعاد" أي في الآخرة، فإذا أدرك ذلك انتدب إلى شكر هذه النعمة حسب قدرته وتهيئته، وصار ذلك القشر محشوا لبا، بل صار القشر نفسه لبا، لأن الجميع نعم طالبة للعبد أن ينالها، فيشكر الله بها، وعليها، والبراهين - كما هو معلوم - مشتمل على النتيجة بالقوة أو بالفعل، فلا دق ولاجل من هذه الوجوه إلا والعقل عاجز عن بلوغ أدنى ما فيه من الحكم والنعم، "ومن" هذا الذي تقرر "هنا" أتى طلب الالتفات إلى الدنيا متوسلا به إلى التحلي بهذه الحكمة، ووقع "توارد" وتتبع "الأخبار" - بفتح الهمزة وكسرها - من رب العالمين "بأنها" أي الدنيا أهل للاعتبار، و"حق للاستبصار" والاستهداء بها وبما فيها إلى إدراك الحق الذي هو قوامها. قال - تعالى -: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون: ١١٥] وقال - سبحانه -: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا} [ص: ٢٧]. وقال: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (٣٨) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} [الدخان: ٣٨، ٣٩] وقال - سبحانه - {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} [الروم: ٨] إلى غير ذلك. ولأجل هذا صارت أعمال أهل النظر معتبرة مثبتة.

وإذا تقرر هذا "فذمها" أي الدنيا "ليس على الإطلاق" وإنما هو مقيد باعتبار تقدم من التجرد من النظر ذي الحكمة والاعتبار "و" كذلك "مدحها" فإنه - أيضا - "ليس" على وجه العموم "والاستغراق" بل هو مخصص بما إذا أخذت بحكمة واعتبار واستبصار، واتخذت مسرحا لذلك متوسلا بها إلى درك الحق التي تشهد به، وعليه.

"و" بذلك كان "أخذها بالاعتبار الأول" المجرد من الحكمة "يذم" به أمرها وحالها، وهذا الأخذ في واقع الأمر هو المذموم "فهو" أخذ من لا يعقل، ولا بصيرة عنده وبذلك استحوذت عليه "رغبة المستعجل" المحب للعاجلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>