أن الفطر مباح به فأفطر فلا كفارة عليه. وكذلك من أفطر بتأويل إن كان أصله غير علمي، بل هذا جار في كل متأول كشارب المسكر ظانا أنه غير مسكر، وقاتل المسلم ظانا أنه كافر. وأكل مال الحرام عليه ظانا أنه حلال له. والمتطهر بماء نجس ظانا أنه طاهر وأشباه ذلك ومثله المجتهد المخطئ في اجتهاده، ويدخل ههنا كل قضاء قضى به القاضى من مسائل الاجتهاد ثم يتبين له خطؤه ما لم يكن قد أخطأ نصا أو إجماعا أو بعض القواطع وكذلك الترجيح بين الدليلين فإنه وقوف مع أحدهما وإهمال للآخر، فإذا فرض مهملا للراجح فذلك لأجل وقوفه مع المرجوح وهو في الظاهر دليلٌ يعتمد مثله وكذلك العمل بدليل منسوخ أو غير صحيح فإنه وقوف مع ظاهر دليلٌ يعتمد مثله في الجملة فهذه وأمثالها مما يدخل تحت معنى العفو المذكور وإنما قلنا الوقوف مع مقتضى الدليل المعارض فشرط فيه المعارضة لأنَّهُ إن كان غير معارض لم يدخل تحت العفو لأنَّهُ أمر أو نهى أو تخيير عمل على وفقه فلا عتب يتوهم فيه ولا مؤاخذة تلزمه بحكم الظاهر فلا موقع للعفو فيه وإنما قيل وإن قوى معارضه لأنَّهُ إن لم يقو معارضه لم يكن من هذا النوع بل من النوع الذي يليه على أثر هذا فإنه ترك لدليل وهن وإن كان إعمالا لدليل أيضًا فإعماله من حيث هو أقوى عند الناظر أو في نفس الأمر كإعمال الدليل غير المعارض فلا عفو فيه.
هذا هو النوع الأول أما الثاني فقد أورده الناظم بقوله:"أو الخروج" عن مقتضى الدليل، وهذا النوع من العفو يأتي "بعد" النوع الأول. هذا ما ظهر لي في تقرير كلمة بعد هذه - هنا وقد تكون زائدة - وذلك الخروج قد يكون "بالتأويل" للدليل الذي وقع الخروج عن مقتضاه "قصدا" من الخارج عن المقتضى مثاله ما ورد في تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا}[المائدة: ٩٣] من أن قدامة بن مظعون قال لعمر بن الخطاب: إن كنت شربت الخمر فليس لك أن تجلدني.
قال عمر: ولم؟ قال لأن الله تعالى يقول:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا}. قال عمر أخطأت التأويل، إن اتقيت اجتنبت ما حرم الله. هذا أو نحوه مما فيه مخالفة مقتضى الدليل بالتأويل جعل من المواضع التي يجري فيها حكم العفو (١).
"و" كذلك الخروج "دونه" أي القصد "عن" مقتضى "الدليل" وإنما كان ذلك عن