للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

١٠٣٦ - وَهْوَ فِي الْأحْكَامِ إِذَا مَا أُعْمِلَا … مَظِنَّةٌ لِفِعْلِهَا تُحُيِّلَا

أما أولا: فإنه سبب تعطيل الأوامر وارتكاب النواهي لأنه مضاد لها.

وأما ثانيا فإنه إذا اتبع واعتيد، ربما أحدث للنفس ضراوة وأنسا به، حتى يسري معها في أعمالها، ولا سيما وهو مخلوق معها ملصق بها في الأمشاج، فقد يكون مسبوقا بالامتثال الشرعي فيصير سابقا له، وإذا صار سابقا له، صار العمل الامتثالي تبعا له وفي حكمه، فبسرعة ما يصير صاحبه إلى المخالفة، ودليل التجربة حاكم هنا.

وأما ثالثا فإن العامل بمقتضى الامتثال من نتائج عمله الالتذاذ بما هو فيه، والنعيم بما يجتنيه من ثمرات الفهوم، وانفتاح مغاليق العلوم، وربما أكرم ببعض الكرامات، أو وضع له القبول في الأرض، فانحاش الناس إليه، وحلقوا عليه، وانتفعوا به، وأمّوه لأغراضهم المتعلقة بدنياهم وأخراهم، إلى غير ذلك مما يدخل على السالكين طرق الأعمال الصالحة من الصلاة والصوم وطلب العلم، والخلوة للعبادة، وسائر الملازمين لطرق الخير، فإذا دخل عليه ذلك كان للنفس به بهجة وأنس، وغنى ولذة، ونعيم بحيث تصغر الدنيا وما فيها بالنسبة إلى لحظة من ذلك، كما قال بعضهم: لو علم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليه بالسيوف. أو كما قال، وإذا كان كذلك فلعل النفس تنزع إلى مقدمات تلك النتائج، فتكون سابقة للأعمال، وهو باب السقوط عن تلك الرتبة والعياذ بالله، هذا وإن كان الهوى في المحمود ليس بمذموم على الجملة، فقد يصير إلى المذموم على الإطلاق، ودليل هذا المعنى مأخوذ من استقراء أحوال السالكين، وأخبار الفضلاء والصالحين، فلا حاجة إلى تقريره هنا (١).

وينبني على ذلك - أيضا - من الضوابط - القوا عد - ضابط آخر "وهو" أن إتباع الهوى "في الأحكام" الشرعية كالحل والحرمة "إذا ما أعملا" - الألف للإطلاق - وأخذ بمقتضاه فيها فإنه "مظنة" موطن ظن "لفعلها" أي إتيانها "تحيلا" منه للوصول إلى أغراضه بها بحيث يأتيها قصدا لهذا الأمر، فتصير كالآلة المعدة لاقتناص أغراضه لا لتحكيم مقتضاها والعمل به. فيأتي الحلال على قصد غرضه. وربما جرت اختياراته الفقهية على ذلك السنن. كالمرائي يتخذ الأعمال الصالحة سلما لما في أيدي الناس. وبيان هذا ظاهر. ومن تتبع مآلات اتباع الهوى في الشرعيات وجد من المفاسد كثيرا، وقد تقدم


(١) الموافقات ج ٢/ ص ١٣٣ - ١٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>