للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٠٦٩ - وَالشَّرْعُ يَسْتَدْعِي لَهُ فِي الْخَلْقِ … مَصَالِحَ الْأُخْرَى بِحُكْمِ الرِّفْقِ

١٠٧٠ - فَحَدَّ لاكْتِسَابِهِ حُدُودَا … وَحِفْظُهَا بِنَيْلِهِ الْمَقْصُودَا

إنما يصلح ويستمر بدواع من قبل الإنسان تحمله على اكتساب ما يحتاج إليه هو وغيره، فخلق له شهوة الطعام والشراب إذا مسه الجوع والعطش، ليحركه ذلك الباعث إلى التسبب في سد هذه الخلة بما أمكنه، وكذلك خلق له الشهوة إلى النساء، لتحركه إلى اكتساب الأسباب الموصلة إليها، وكذلك خلق له الاستضرار بالحر والبرد والطوارق العارضة، فكان ذلك داعية إلى اكتساب اللباس والمسكن .. " (١).

هذا شأن مصالح المكلف في الدنيا المرعية شرعا، وشأن كيفية تحصيلها "و" أما مصالحه غير الدنيوية فإن "الشرع يستدعي" يطلب "له" أي للمكلف "في الخلق" قد يكون "في"- هنا بمعنى الباء فيكون المعنى بالخلق - أي بمعنى أن المكلف يطلب له الشارع بما خلقه من الجنة والنار، وبمن أرسله من الرسل مبشرين ومنذرين.

وقد تكون - أي "في" - بمعناها المجازي، فيكون المعنى: في جملة الخلق مشتركين مجتمعين "مصالح" الدار "الأخرى" وذلك كله إنما حصل "بحكم" ومقتضى "الرفق" واللطف الإلهي بالخلق، ولو شاء - سبحانه - لكلف بما ذكر مع الإعراض عن الحظوظ، أو لكلف مع سلب الدواعي المجبول عليها، لكن امتن على عباده بما جعله وسيلة إلى ما أراده من عمارة الدنيا للآخرة، وجعل الاكتساب لهذه الحظوظ مباحا، لا ممنوعا، لكن على قوانين شرعية هي أبلغ في المصلحة، واجري على الدوام مما يعده العبد مصلحة {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}. وبذلك "فـ" إنه قد "حدّ لاكتسابه" أي اكتساب المكلف أسباب ما ذكر من المصالح والحظوظ "حدودا" تتبين بأوامره ونواهيه، وهذه الحدود هي التي إليها المرجع إلى اكتساب تلك الأسباب التزاما وعدمه.

فأسباب المصالح الأخروية إنما تعرف بما ورد عنه - أي الشارع - وبما حدها به من حدود. وكذلك أسباب الشقاء فإنها أنما تعرف من هذه الجهة - جهة ما حدّه الشارع فيها - فمن التزم أسباب السعادة على ما حدّه الشارع سعد ومن خالف ذلك أتى بأسباب الشقاء.

"وحفظها" أي تلك الحدود "بنيله" أي المكلف، ويمنحه "المقصودا" الذي به


(١) الموافقات ج ٢/ ص ١٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>