للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٣٤٣ - لِأَنَّنَا نَقُولُ إِنَّ الْبِدْعَهْ … لَيْسَتْ سِوَى مَا الشَّرْعُ يُبْدِي مَنعَهْ

١٣٤٤ - وَمَا عَلَى النَّدْبِ أَو الْوُجُوبِ … فَلَيْسَ فِي الْبِدْعَةِ بِالْمَحْسُوبِ

مستنبطه، والمباح حسن باعتبار. فعلى الجملة من استحسن من البدع ما استحسنه الأولون لا يقول إنها مذمومة ولا مخالفة لقصد الشارع، بل هي موافقة أي موافقة. كجمع الناس على المصحف العثماني، والتجميع في قيام رمضان في المسجد، وغير ذلك من المحدثات الحسنة التي اتفق الناس على حسنها، أعني السلف الصالح والمجتهدين من الأمة، وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن. فجميع هذه الأشياء داخلة تحت ترجمة المسألة إذ هي أفعال مخالفة للشرع لأنه لم يضعها، مقترنة بقصد موافق لأنهم لم يقصدوا إلَّا الصلاح، وإذا كان كذلك وجب أن لا تكون البدع كلها مذمومة خلاف المدعي (١).

والجواب عن هذا كله أنه لا يصح - كما تقدم ذكره - إيراده هنا "لـ" أنه ليس مما وقعت عليه الترجمة، وبذلك فـ "اننا نقول إن البدعة" المفروض فيها الكلام هنا والمقصود فيه "ليس سوى ما" من الافعال "الشرع يبدي" أي يظهر "منعه" لأنه مخالف لما وضع عليه هذا الشرع. "و" أما "ما" جاء وقد انسحب "على" حاله "الندب أو الوجوب" الشرعيان "فـ" إنه "ليس في البدعة" المحظورة في الدين "بالمحسوب" أي المعدود، فما تقدم ذكره مما أحدثه السلف وأجمع عليه العلماء لم يقع فيه مخالفة لما وضعه الشارع بحال. بيان ذلك أن جمع المصحف مثلا لم يكن في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم للاستغناء عنه بالحفظ في الصدور، ولأنه لم يقع في القرآن اختلاف يخاف بسببه الاختلاف في الدين، وإنما وقعت فيه نازلتان أو ثلاثة، كحديث عمر بن الخطاب مع هشام بن حكيم رضي الله عنهما، وقصة أبيِّ بن كعب مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما، وفيه قال عليه الصلاة والسلام: "لا تماروا في القرآن فإن المراء فيه كفر" فحاصل الأمر أن جمع المصحف كان مسكوتا عنه في زمانه عليه الصلاة والسلام، ثم لما وقع الاختلاف في القرآن وكثر حتى صار أحدهم يقول لصاحبه: أنا كافر بما تقرأ به، صار جمع المصحف واجبًا ورأيًا رشيدًا في واقعة لم يتقدم بها عهد، فلم يكن فيها مخالفة، وإلَّا لزم أن يكون النظر في كل واقعة لم تحدث في زمان المتقدم بدعة، وهو باطل باتفاق، لكن مثل هذا النظر من باب الاجتهاد الملائم


(١) الموافقات ٢/ ٢٥٨/ ٢٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>