لقواعد الشريعة وإن لم يشهد له أصل معين وهو الذي يسمى المصالح المرسلة. وكل ما أحدثه السلف الصالح من هذا القبيل، لا يختلف عنه بوجه، ليس من المخالف لمقصد الشارع أصلا. كيف وهو يقول:(ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن)(ولا تجتمع أمتي على ضلالة) فثبت أن هذا المجتمع عليه موافق لقصد الشارع، فقد خرج هذا الضرب عن ان يكون فيه الفعل أو الترك مخالفا للشارع. وأما البدعة المذمومة فهي التي خالفت ما وضع الشارع من الأفعال أو التروك (١).
هذا هو حال هذا الضرب وحكمه.
"و" أما الثاني فهو "إن يكن" الفاعل لما ذكر "يجهل" حال "ما عنه صدر" ووقع من ذلك، ومن جهة مخالفته للشرع "فهاهنا" في هذا الضرب "وجهان" يدركان "من حيث" أي من جهة "النظر" والبحث في شأنه.
أحد هذين الوجهين: كون القصد موافقا، وبهذا فذلك الفعل ليس مخالفا من هذا الوجه.
ثانيها: كون الفعل مخالفا لما ورد في الشريعة في شأن ذلك الفعل.
وهذان وجهان يتعارض ما يقتضيانه من حكم وذلك أنك إذا رجحت جهة القصد الموافق بأن العامل ما قصد قط إلَّا الامتثال والموافقة، ولم ينتهك حرمة للشارع بذلك القصد، عارضك أن قصد الموافقة مقيد بالامتثال المشروع لا بمخالفته، وإن كان مقيدا فقصد المكلف لم يصادف محلا فهو كالعبث. وأيضا إذا لم يصادف محلا صار غير موافق، لأن القصد في الأعمال ليس بمشروع على الافراد.
فإن قلت: إن القصد قد ثبت اعتباره قبل الشرائع، كما ذكر عمن آمن من الفترات وأدرك التوحيد، وتمسك بأعمال يعبد الله بها وهى غير معتبرة، إذ لم تثبت في شرع بعد قيل لك: إن فرض أولئك في زمان فترة لم يتمسكوا بشريعة متقدمة، فالمقاصد الموجودة لهم منازع في اعتبارها بإطلاق، فإنها كأعمالهم المقصود بها التعبد: فإن قلت باعتبار القصد كيف كان، لزم ذلك في الاعمال، وإن قلت بعدم اعتبار الأعمال لزم ذلك في القصد. وأيضا فكلامنا فيما بعد الشرائع لا فيما قبلها، والمتقدمة فذلك واضح.