وهذا إيثار راجع إلى تحمل أعظم المشقات عن الغير. ووجه عموم المصلحة هنا في مبادرته - صلى الله عليه وسلم - بنفسه ظاهر لأنه كالجنة - الوقاية - للمسلمين.
وأما وجه عمومها في قصة أبي طلحة فإنه من حيث كان وقى بنفسه من يعم بقاؤه مصالح الدين - وأهله - وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - أما عدمه فتعم مفسدته الدين وأهله.
وإلى هذا النحو مال أبو الحسن النوري حين تقدم إلى السياف - وقال:"أوثر أصحابي بحياة ساعة". في القصة المشهورة. هذا كله إن كانت تلك المفسدة دنيوية، وهي يجري فيها حكم الإيثار وإسقاط الحظوظ.
"و" أما "حيث ما" - زائدة - "تكون تلك المفسدة" التي تلحق من يقوم بالمصلحة العامة آتية "من جهة" أمور الدار "الأخرى" أي الآخرة التي هي "له" أي للقائم المذكور "معتمدة" أي مقصودة يعني مقصود تحصيلها منه على وجه اللزوم، كالعبادات اللازمة عينا، ومن كان على هذا الحال فإنه لا يخلو أن يكون دخوله في القيام بهذه المصلحة مخلا بهذه الواجبات الدينية والنواهي الدينية قطعا، أو لا. فإن كان يخل بها "فـ" إن الحكم في ذلك هو ان "كل ما لزومه" ووجوبه "عيني" بحيث على كل شخص مكلف أن يأتي به، إذا كان "يحدث" ويقع "فيه" يعني في الإتيان به وتحصيله من ذلك لقائم "خلل قطعي" مجزوم به، وهو مذهب لماهية ذلك الواجب ومبطل له "بمقتضى" وسبب "قيامه بـ" تلك "المصلحة" العامة، فإنه لا يسوغ الدخول فيه وبذلك "فـ" أنه "هاهنا" يلزم "الترك له" أي القيام بتلك المصلحة، وهذا حكم ظاهر "ما أوضحه إذ" قد "مر" في شأن "المصالح الدينية أن لها التقديم" على المصالح الدنيوية "بالكلية" أي على الإطلاق، فكل مصلحة من مصالح الآخرة إذا عارضتها مصلحة دنيوية فإنها تقدم بدون استثناء.