للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فالمشقة - مثلا - تطلق على صفات متعددة متفاوتة متنوعة، والرخصة لا تتعلق إلا بتوع معين منها وهو الحرج المرفوع - فمن جهله فإما أن يقول بالرخصة في غير محلها الشرعي، وإما أن ينكر جريانها في موضع هي مشروعة فيه، وهذا الحال يسري على جميع ما تتعلق به الأحكام الشرعية من الألفاظ من هذا النوع، ومن أخطوها وأهمها "المصلحة" و"المفسدة"، فضبط معنى هذين اللفظين ينير الطريق في شأن بناء الأحكام على المقاصد، فكان الضبط لها من الأمور المنيرة لسبيل التفقه في هذا الدين العظيم.

ثالثها: توسيع البحث والنظر ومده إلى جميع جهات وأحوال الموضوع المبحوث والمنظور فيه على استقصاء وتمام تفصيل، وكل ذلك قد نظم في سلك منهجي يقتضيه واقع حال ذلك الموضوع. وقد اعتمد سبيل التوسيع هذا في كل موضوع درسه في هذا الكتاب، ويظهر ذلك باهرا لفرط تشعبه في مواضع معينة كالأحكام، والأسباب، والشروط، والألفاظ التي تتعلق بها أحكام شرعية ومعنى الاجتهاد الذي جعله أنواعا، فوسعه بذلك. والأحلى والأجمل من ذلك أنه - أي الشاطبي - رحمه الله تعالى - يذكر الثمرات الفقهية والشرعية التي تؤخذ من كل جهة درست من تلك الجهات، ثم أنه يمد نظره وبحثه إلى ما يكون من أثمار الأنظار في ذلك مستشكلا، ثم يذكر وجه الاستشكال في ذلك وموجبه، ثم الوجوه النظرية والأدلة التي يكون بها تخريج الحكم في ذلك على سبيل ووجه ينفصل به عن ذلك الإشكال.

وهذا كله من الثمرات المعرفية المجتناة من الاطلاع على ما سطره - رحمه الله تعالى - في هذا الموضوع.

رابعها: التنبيه والاستحثاث على وجوب اعتبار واستحضار أحوال القلوب ومقاصدها في مجاري بناء الأحكام الفقهية، وذلك لأن القلب تجري على أفعاله الأحكام الشرعية كما تجري على سائر الجوارح، ثم أنه بما قام به من حال وقت كسب العمل بالجوارح يعرف حكم ذلك العمل ومنزلته.

وقد بسط الشاطبي - رحمه الله تعالى - القول في هذا الشأن، فما فتئ ذاكرًا له في كل موضع يتأتى له فيه ذكره، كما بين على تفصيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>