للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٧٩٣ - أَوْ لَازِمٌ أَنْ لَا يَكُونَ الأمْرُ … أَمْرًا وَذَا فِي النَّهْيِ يَسْتَمِرُّ

كان كل واحد منهما يستلزم نقيض ما يستلزمه الآخر - كما ترى -.

وذلك أن معنى الأمر والنهي اقتضاء الفعل واقتضاء الترك، ومعنى الاقتضاء الطلب، والطلب يستلزم مطلوبا والقصد لإيقاع ذلك المطلوب، ولا معنى للطلب إلا هذا.

ثم إن الطلب في هذا الشأن لا يخلو من أن يصار في أمره إلى أنه يستلزم القصد لإيقاع المطلوب، "أو" لا، فإن صير إلى أنه يستلزمه فالأمر بين منتظم على الوجه المتقدم، وإن صير إلى أنه لا يستلزمه فإنه يرد على ذلك "لازم" وهو "أن لا يكون الأمر أمرا" لأنه - كما تقدم - لا معنى للأمر إلا اقتضاء الفعل، والاقتضاء معناه الطلب، والطلب يستلزم مطلوبا والقصد إلى إيقاع ذلك المطلوب ولا معنى للطلب إلا هذا.

"وذا" كما يقال في الأمر يقال "في النهي" أيضا وهو "يستمر" جريانه فيه، فلا ينفك عنه، كما تقدم في الأمر، فلو تصور طلب لا يستلزم القصد لإيقاع المطلوب لأمكن أن يرد أمر مع القصد لعدم إيقاع المأمور به وأن يرد نهي مع القصد لإيقاع المنهي عنه وبذلك لا يكون الأمر أمرا ولا النهي نهيا هذا خلف ولصح انقلاب الأمر نهيا وبالعكس ولأمكن أن يوجد أمر أو نهي من غير قصد إلى إيقاع فعل أو عدمه فيكون المأمور به أو المنهى عنه مباحا أو مسكوتا عن حكمه وهذا كله محال.

والثالث أن الأمر والنهي من غير قصد إلى إيقاع المأمور به وترك المنهى عنه هو كلام الساهي والنائم والمجنون ولذلك ليس بأمر ولا نهي باتفاق والأمر في هذا أوضح من أن يستدل عليه (١).

فإن قيل إن هذا يلزم منه أن يكون التكليف بما لا يطاق - كإيمان أبي جهل - مقصودا إلى إيقاعه، والقصد إلى إيقاع ما لا يمكن وقوعه عبث، فيلزم أن يكون القصد إلى الأمر بما لا يطاف عبث، والعبث في أحكام الشرع محال، فكل ما يلزم عنه محال، وذلك استلزام القصد إلى الإيقاع بخلاف ما إذا قلنا أن الأمر لا يستلزم القصد إلى الإيقاع، فإنه لا يلزم منه محظور عقلي، فوجب القول به.


(١) الموافقات ٣/ ١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>