" ومع ذا" أي الذي تقرر في شأن ما ذكر من هذه الخصال من أنه ورد فيه الطلب الشرعي مطلقا "فإنه" ليس ضربا واحدا، وإنما هو "ضربان" وذلك "بنسبة" أي باعتبار الصيغة التي عليها "الورود" والمجئ له "في القرآن" الكريم، إذ منه - وهذا أحد الضربين - ما هو "آت" فيه "على" صيغة "الإطلاق والعموم" في كل شيء من غير تفصيل ولا تفرقة بين المواضع التي يجري فيها مقتضاه والتي تختلف أحكامها باختلافها، وبذلك فهو "قاض" وحاكم "على" كل "الحالات بالتعميم" لمقتضاه، على وجه السوية في كل شيء ومن غير تفصيل.
وهذا مسلك النظر الصحيح فيه هو أن لا يعمل بظاهره الذي هو العموم والإطلاق الدال على التسوية في حكمه الجاري على كل ما انطوى تحته من الجزئيات، و "لكن" يحكم "بما" من الأحكام تستوجبه أحوال تلك الجزئيات فيحكم في "كل مقام" بما "يقتضيـ"ــه، ويعرف ذلك "بشاهد" وواقع "الحال الذي فيها" أي في تلك الحالات "رضي" اعتباره واختير الاعتداد به "وذاك" الذي يصار إليه من حكم في كل مقام اختياره "موكول إلى" نظر "المكلف" ويتوسل إلى ذلك بإعمال ميزان نظره، "كي يتوخى" ويتحرى "أليق" وأولى "التصرف" في ذلك آخذا في سبيل ذلك "بأبين" وأوضح "الأدلة الشرعية" الواردة في ذلك "وأكمل المحاسن العادية" ومكارم الأخلاق، ويمثل لذلك بـ "ــمثل اعتبار" إقامة العدل" وإتيان "الإحسان في" "كل" فعل "صادر عن الإنسان" فإن الذي يصار إليه في شأن بناء الحكم الفقهي في ذلك - كما تقدم ذكره - هو التفصيل.
فقول الله - تعالى - مثلا - {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}[النحل: ٩٠] ليس الإحسان فيه مأمورا به أمرا جازما في كل شيء ولا غير جازم في كل شيء بل ينقسم