تُصدِّقُ الأمر أو تكذِّبُه، فالطبيب إذا أخبرك بأنَّ هذا المتناول سمّ فلا تقربه، ثم أخذ في تناوله دونك، أو أمرك بأكل طعام أو دواء لعلَّةٍ بك ومِثلُهَا به، ثمّ لم يستعمله مع احتياجه إليه، دلَّ هذا كلّه على خلل في الإخبار، أو في فهم الخبر، فلم تطمئن النّفس إلى قبول قوله (١).
"و" هذا - أيضا - هو "مقتضى" وحكم مأخوذ "من الدّليل" الشّرعي "المعتبر" الوارد في هذا الشّأن. قال - تعالى - {* أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٤٤)} [البقرة: ٤٤] وقال - سبحانه -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (٣)} [الصف: ٢، ٣] ويخدم هذا المعنى الوفاء بالعهد وصدق الوعد فقد قال تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}[الأحزاب: ٢٣]. وقال في ضدِّه:{لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ}[التوبة: ٧٥] إلى قوله: {وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}[التوبة: ٧٧].
فاعتبر في الصّدق كما ترى مطابقة الفعل القول، وهذا هو حقيقة الصّدق عند العلماء العاملين، فهكذا إذا أخبر العالم بأنّ هذا واجب أو محرم، فإنّما يريد على كلّ مكلّف وأنا منهم فإن وافق صدَق وإن خالف كذَب.
ومن الأدلّة على ذلك أنّ المنتصِبَ للنّاس في بيان الدّين منتصِبٌ لهم بقوله وفعله، فإنّه وارث النّبي، والنّبي كان مبيّنًا بقوله وفعله، فكذلك الوارث لا بدّ أن يقوم مقام الموروث، وإلّا لم يكن وارثًا على الحقيقة، ومعلوم أنّ الصحابة - رضوان الله عليهم - كانوا يتلقّون الأحكام من أقواله وأفعاله وإقراراته وسكوته وجميع أحواله، فكذلك الوارث، فإن كان في التّحفظ في الفعل كما في التّحفظ في القول، فهو ذلك، وصار من اتّبعه على هدى، وإن كان على خلاف ذلك صار من اتّبعه على خلاف الهدى، لكن بسببه، وكان الصحابة - رضي الله عنهم - ربّما توقّفوا عن الفعل الذي أباحه لهم السيِّدُ المتبُوع - عليه الصّلاة والسّلام - ولم يفعله هو، حرصًا منهم على أن يكونوا متّبعين لفعله وإن تقدّم لهم بقوله، لاحتمال أن يكون تركُه أرجحَ، ويستدلُّون على ذلك بتركه - عليه الصّلاة والسّلام - له، حتّى إذا فعله اتّبعوه في فعله،