للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢١٢٣ - مِمَّا أَتَى شَرْعًا بِكَيْفِيَّاتِ … وَلْيَتْرُكِ الدّؤُوبَ فِي أَوْقَاتِ

" ممّا أتى شرعا بكيفيّات" متعدّدة، وإن فهمت من الألفاظ المطلقة وبناء على هذا فإنّ على هذا المقتدى به ترك التزام العبادة على هذا الوجه "وليترك الدّؤوب" والدّوام على فعل تلك العبادة "في أوقات" حتّى يعلم أنّها غير واجبة، لأنّ خاصيّة الواجب المكرّر الالتزام به والدّوام عليه في أوقاته، بحيث لا يتخلّف عنه.

كما أن خاصيّة المندوب عدم الالتزام، فإذا التزمه فهم النّاظر نفس الخاصيّة الّتي للواجب، فحمله على الوجوب، ثم استمرَّ على ذلك فَضَلَّ.

وكذلك إذا كانت العبادة تتأتّى على كيفيّات يفهم من بعضها في تلك العبادة ما لا يفهم منها على الكيفيّة الأخرى، أو ضمّت عبادة أو غير عبادة إلى العبادة قد يفهم بسبب الاقتران ما لا يفهم دونه، أو كان المباح يتأتّى فعله على وجوه، فيثابر فيه على وجه واحد تحريًا له ويترك ما سواه، أو يترك بعض المباحات جملة من غير سبب ظاهر، بحيث يفهم منه في التّرك أنّه مشروع. ولذلك لما قرأ عمر بن الخطاب السّجدة على المنبر ثم سجد وسجد معه النّاس، قرأها في كرّة أخرى، فلمّا قرب من موضعها تهيأ النّاس للسّجود، فلم يسجدها، وقال: "إنّ الله لم يكتبها علينا إلّا أن نّشاء"، وسئل مالك عن التسمية عند الوضوء فقال: "أيحبّ أن يذبح؟ " إنكارًا لما يوهمه سؤاله من تأكيد الطّلب فيها عند الوضوء، ونقل عن عمر أنّه قال: "لا نبالي أبدأنا بأيماننا أم بأيسارنا" يعني: في الوضوء، مع أنّ المستحب التيامن في الشّأن كلّه.

ومثال العبادات المؤدّاة على كيفيّات يلتزم فيها كيفيّة واحدة إنكار مالك لعدم تحريك الرّجلين في القيام للصلاة. ومثال ضمّ ما ليس بعبادة إلى العبادة حكاية الماوردي في مسح الوجه عند القيام من السجود، وحديث عمر مع عمرو: "لو فعلتها لكانت سنّة، بل أغسل ما رأيت وأنضح ما لم أر".

ومثال فعل الجائز على وجه واحد ما نقل عن مالك أنّه سئل عن المرّة الواحدة في الوضوء قال: "لا، الوضوء مرتان مرتان، أو ثلاث ثلاث"، مع أنّه لم يحدّ في الوضوء ولا في الغسل إلّا ما أسبغ.

قال اللّخمى: "وهذا احتياط وحماية، لأنّ العامي إذا رأى من يقتدى به يتوضأ مرّة مرّة فعل مثل ذلك، وقد لا يحسن الإسباغ بواحدة فيوقعه فيما لا تجزئ الصّلاة به"،

<<  <  ج: ص:  >  >>