قد تقرر - أخذا مما سبق ذكره - أن الترغيب والترهيب يردان متساويين في قدر الكلام عليهما، إلا أن هذا قد يتخلف أحيانا، "و" ذلك لأنه "قد يكون مقتضى" وموجب "الأحوال" العارضة "في جانب" من الجوانب المذكورة: - الترغيب والترهيب والتخويف والترجية - أقوى وأولى بالإعتبار من غيره من مقتضيات أحوال الجوانب الأخرى، فصار بذلك "متسع المجال" والميدان في الكلام عليه، والحديث فيه، وبناء على ذلك "فـ" إنه "يقع" ويحصل "الإطناب" وبسط الكلام "في"مقام "التخويف" والترهيب "قصدا إلى التأنيب والتعنيف" أي اللوم والتوبيخ والتقريع، وذلك يقع ويرد "عند ظهور" ووجود "حال الإغترار" على المخاطبين.
"و" كذا عند وقوع "الصد" منهم عن سبيل الله - تعالى - "أو "وجود "مظنة الإصرار" منهم على الذنوب والمعاصي، فهذا كله مما يوجب توسيع مجال التخويف وميدان الترهيب، "لكنه لا يخلوا من الترجية، كما في سورة الأنعام فإنها جاءت مقررة للخلق، ومنكرة على من كفر بالله، واخترع من تلقاء نفسه ما لا سلطان له عليه، وصد عن سبيله، وأنكر ما لا ينكر ولد فيه وخاصم وهذا المعنى يقتضي تأكيد التخويف، وإطالة التأنيب والتعنيف، فكثرت مقدماته ولواحقه. ولم يخل مع ذلك من طرف الترجية؛ لأنهم بذلك مدعوون إلى الحق، وقد تقدم الدعاء، وإنما هو مزيد تكرار إعذارا وإنذارا. ومواطن الاغترار يطلب فيها التخويف أكثر من طلب الترجية؛ لأن درء المفاسد آكد (١).
"و" كذلك "يقع الإطناب" - أيضا - في الكلام "في الترغيب" إذا اقتضت ذلك أحوال المخاطبين، وذلك "بقصد رفع" وإزالة "الذم" والعيب، "والتثريب" أي التأنيب