على حد سواء، بل ذلك يختلف اختلافًا متباينًا، فإنا إذا تأملنا العدول وجدنا لاتصافهم بها طرفين وواسطة: طرف أعلى في العدالة لا إشكال فيه كأبي بكر الصديق. و"طرف آخر" وهو أول درجة في الخروج عن مقتضى الوصف، كالمجاوز لمرتبة الكفر إلى الحكم بمجرد الإسلام فضلا عن مرتكبي الكبائر المحدودين فيها.
"وبينهما" مراتب لا تنحصر. وهذا الوسط غامض، لا بد فيه من بلوغ حد الوسع، وهو الاجتهاد (١).
فهذا مما يفتقر إليه الحاكم في كل شاهد، كما إذا أوصى بماله للفقراء، فلا شك أن من الناس من لا شي له، فيتحقق فيه اسم الفقر، فهو من أهل الوصية ومنهم من لا حاجة به ولا فقر وإن لم يملك نصابا. وبينهما وسائط، كالرجل يكون له الشيء ولا سعة له، فينظر فيه: هل الغالب عليه حكم الفقر أو حكم الغنى؟ وكذلك في فرض نفقات الزوجات والقرابات، إذ هو مفتقر إلى النظر في حال المنفق عليه والمنفق، وحال الوقت إلى غير ذلك من الأمور التي لا تنضبط بحصر، ولا يمكن استيفاء القول في آحادها. فلا يمكن أن يستغني هاهنا بالتقليد، لأن التقليد إنما يتصور بعد تحقيق مناط الحكم المقلد فيه، والمناط هنا لم يتحقق بعد لأن كل صورة من صور النازلة نازلة مستأنفة في نفسها لم يتقدم لها نظير وإن لها في نفس الأمر فلم يتقدم لنا. فلا بد من النظر فيها بالاجتهاد. وكذلك وإن فرضنا أنه تقدم لنا مثلها، فلا بد من النظر في كونها مثلها أولا، وهو نظر اجتهاد أيضا وكذلك القول فيما فيه حكومة من أروش الجنايات، وقيم المتلفات. ويكفيك من ذلك أن الشريعة لم تنص على حكم كل جزئية على حدتها، وإنما أتت بأمور كلية وعبارات مطلقة تتناول أعدادا لا تنحصر، ومع ذلك فلكل معين خصوصية ليست في غيره ولو في نفس التعيين، وليس ما به الامتياز معتبرا في الحكم بإطلاق، ولا هو طردي بإطلاق، بل ذلك منقسم إلى الضربين، وبينهما قسم ثالث يأخذ بجهة من الطرفين. فلا يبقى صورة من الصور الوجودية المعينة إلا وللعالم فيها نظر سهل أو صعب، حتى يحقق تحت أي دليل تدخل؟ فإن أخذت بشبه من الطرفين فالأمر أصعب، وهذا كله بين لمن شدا في