للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٥٣٨ - وَأَنَّهُ بِحَسَبِ الأَشْخَاصِ … وَوَاقِعٌ مِنْ أُولي الاخْتِصَاصِ

أما الثاني وهو النظر الخاص فأعلى من هذا وأدق، وهو في الحقيقة ناشئ عن نتيجة التقوى المذكورة في قوله تعالى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} وقد يعبر عنه بالحكمة، ويشير إليها قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: ٢٦٩] قال مالك: من شأن ابن آدم أن لا يعلم ثم يعلم؛ أما سمعت قول الله تعالى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفَال: ٢٩]. وقال أيضا إن الحكمة مسحة ملك على قلب العبد. وقال: الحكمة نور يقذفه الله في قلب العبد. وقال أيضا: يقع بقلبي أن الحكمة الفقه في دين الله وأمر يدخله الله القلوب من رحمته وفضله. وقد كره مالك كتابة العلم - يريد ما كان نحو الفتاوى - فسئل ما الذي نصنع؟ قال تحفظون وتفهمون حتى تستنير قلوبكم ثم لا تحتاجون إلى الكتاب (١).

"و" على الجملة فهذا الضرب من الاجتهاد يقرر فيه لبيانه "أنه" الذي يعين المناط الذي يتعلق الحكم به "بحسب" أحوال "الأشخاص" المكلفين المختلفة باعتبار أنه نظر في كل مكلف بالنسبة إلى ما وقع عليه من الدلائل التكليفية بحيث يتعرف منه مداخل الشيطان والحظوظ العاجلة حتى يلقيها هذا المجتهد على ذلك المكلف مقيدة بقيود التحرز من تلك المدخل. هذا بالنسبة إلى التكليف المنحتم وغيره، ويختص بوجه آخر: وهو النظر فيما يصلح بكل مكلف في نفسه، بحسب وقت دون وقت، وحال دون حال، وشخص دون شخص، إذ النفوس ليست في قبول الأعمال الخاصة على وزان واحد، كما أنها في العلوم والصنائع كذلك فرب عمل صالح يدخل بسببه على رجل ضرر أو فترة، ولا يكون كذلك بالنسبة إلى آخر. ورب عمل يكون حظ النفس والشيطان فيه بالنسبة إلى العامل أقوى منه في عمل آخر. ويكون بريئا من ذلك في بعض الأعمال دون بعض (٢).

"و" هذا الضرب من الاجتهاد إنما يكون من أهل الفضل والمنح الربانية، وبذلك فإنه "واقع" وحاصل "من أولى" أي أصحاب "الإختصاص" بهذه المنزلة، ممن رزق نورا يعرف به النفوس ومراميها، وتفاوت إدراكها، وقوة تحملها للتكاليف وصبرها على حمل أعبائها أو ضعفها، ويعرف التفاتها إلى الحظوظ العاجلة أو عدم التفاتها فهو يحمل على


(١) الموافقات ٤/ ص ٧٠.
(٢) الموافقات ٤/ ص ٧٠/ ٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>