للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعبوديته مخلصًا لَهُ، فكل ما يجري عَلَيْهِ مِمَّا يكرهه يكون خيرا لَهُ وَإِذَا تخلى عَنْ طاعته وعبوديته فكل ما هُوَ فيه محبوب هُوَ شر لَهُ.

فمن صحت لَهُ معرفة ربه والفقه فِي أسمائه وصفاته علم يقينًا أن المكروهات التي تصيبه والمحن التي تنزل به فيها ضروب من المصالح والمنافع التي لا يحصيها علمه ولا فكرته بل مصلحة الْعَبْد فيما يكره أعظم مَنْهَا فيما يحب.

فعامة مصالح النُّفُوس فِي مكروهاتها، كما أن عامة مضارها وأسباب هلكتها فِي محبوباتها، انظر إِلَى غارس جنة من الجنات خبير بالفلاحة غرس جنة وتعهدها بالسقي والإصلاح حَتَّى أثمرت أشجارها فاقبل عَلَيْهَا يفصل أوصالها ويقطع أغصانها لعلمه أنها لو خليت على حالها لم تطب ثمرتها فيطعمها من شجرة طيبة الثمرة.

حتى إِذَا التحمت بها واتحدت وأعطت ثمرتها، أقبل يقلمها ويقطع أغصانها الضعيفة التي تذهب قوتها ويذيقها ألم القطع والحديد لمصلحتها وكمالها، لتصلح ثمرتها أن تَكُون بحضرة الملوك، ثُمَّ لا يدعها ودواعي طبعها من الشراب كُلّ وَقْت، بل يعطشها وقتًا ويسقيها وقتًا، ولا يترك عَلَيْهَا دَائِمًا وإن كَانَ ذَلِكَ أنضر لورقها وأسرع لنباتها.

ثُمَّ يعد إِلَى تلك الزينة التي تحول بين ثمرتها وبين كمال نضجها واستوائها، كما فِي شجرة العنب ونحوه، فهو يقطع أعضائها، بالحديد، ويلقي عَنْهَا كثيرًا من زينتها وَذَلِكَ عين مصلحتها فلو أنها ذات تمييز وإدراك كالْحَيَوَان لتوهمت أن ذَلِكَ إفسادٌ لها وأضرارٌ بها، وإنما هُوَ عين مصلحتها.

وكَذَلِكَ الأب الشفيق على ولده العَالِم بمصلحته، إِذَا رأى مصلحته فِي أن يمسك عَنْهُ العطاء لم يعطه ولم يوسع عليه، لعلمه أن ذَلِكَ أكبر الأسباب إِلَى فساده وهلاكه.

<<  <  ج: ص:  >  >>