ومن أخلاقهم رضي الله عنهم كثرة الحزن والهم كلما تذكروا الموت وسكراته وخوف سوء الخاتمة الذي من أسبابه استيلاء حب الدنيا على القلب وضعف الإيمان والانهماك في المعاصي.
لأنه متى ضعف الإيمان ضعف حب الله تعالى وقوي حب الدنيا حتى لا يبقى في القلب موضع لحب الله إلا من حيث حديث النفس ولا أثر له في كفها عن السيئات.
وذلك يورث الإكثار من المعاصي والاستمرار فيها حتى يظلم القلب وتراكم عليه ظلمات الذنوب فلا تزال تطفئ ما فيه من نور الإيمان على ضعفه حتى تصير طبعًا ورينا.
فإذا جاءت سكرات الموت ازداد ضعف حبه لله لشعوره بفراق الدنيا إذ هي المحبوب الغالب على القلب فيتألم باستشعار فراقها ويرى ذلك من الله فيختلج ضميره بإنكار ما قدر عليه من الموت وكراهيته من حيث أنه من الله فيخشى أن يفرط من لسانه أو يثور من قلبه شيء يسخط الله عليه.
والذي يفضي إلى مثل هذه الخاتمة غلبة حب الدنيا والركون إليها والفرح بأسبابها مع ضعف الإيمان الموجب لضعف حب الله تعالى أما من كان حب الله تعالى أغلب على قلبه من حب المال والدنيا فهو أبعد عن هذا الخطر العظيم فحب الدنيا رأس كل خطيئة وهو الداء العضال.
ولهذا كان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين متأثرين بأخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تزن عندهم الدنيا شيئًا ولا يعبؤن بها وإذا حصل لهم شيء منها خرج فورًا ومن أخلاقهم القناعة وحسن الالتجاء إلى الله والثقة له والتوكل عليه في الدقيق والجليل قال بعضهم: