للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَتوا بِغَسَّال وَجَاءُوا نَحْوَهُ ... وَبَدَا بِغَسْلِكَ مَيِّتًا عُرْيَانَا

فَغُسلْتَ ثُمَّ كُسِتْتَ ثَوْبًا لِلْبَلَى ... وَدَعُوا لِحَمْلِ سَرِيرَكِ الإِخْوَانَا

وَأَتَاكَ أَهْلَكَ لِلْوَدَاعِ فَوَدّعُوا ... وَجَتْ عَلَيْهِمَ دُمُوعَهُمْ غُدْرَانَا

فَخَفِ الإِلَهَ فَإِنَّهُ مَنْ خَافَهُ ... سَكَنَ الْجِنَانُ مُجَاوِرًا رِضْوَانَا

جَنَّاتِ عَدْنٍ لا يَبِيدُ نَعِيمُهَا ... أَبَدًا يُخَالَطُ رُوحَهُ رَيْحَانَا

وَلِمَنْ عَصَى نَارًا يُقَالُ لَهَا لَظَى ... تَشْوِي الْوُجُوهَ وَتُحْرِقُ الأَبْدَانَا

نَبْكِي وَحَقّ لَنَا الْبُكَى يَا قَوْمَنَا ... كَيْ لا يُؤَاخِذُنَا بِمَا قَدْ كَانَا

(فَصْلٌ)

ثم اعلم أنه ليس ذكر الموت النافع هو أن يقول الموت فقط فإن هذا قليل الفائدة بل لا بد مع ذلك من تفكر بقلب فارغ عن الشهوات واستحضار لحاله عند الموت وأهواله وشدائده وسكراته ويتفكر في شدة النزع والألم الذي يعانيه عند خروج الروح من البدن أعاننا الله على ذلك وجميع المسلمين.

حتى قالوا: إنه أشد من الضرب بالسيف ونشر بالمناشير وقرض بالمقاريض لأنه يهجم على الإنسان ويستغرق جميع أجزائه من كل عرق من العروق وعصب من الأعصاب وجزء من الأجزاء ومفصل من المفاصل ومن أصل كل شعرة وبشرة من المفرق إلى القدم ليستل الروح منها.

فلا تسأل عن كربه وألمه ولذلك لا يقدر على الصياح مع شدة الألم لزيادة الكرب حيث قهر كل قوة وضعف كل جارحة فلم يبق له قوة الاستغاثة أما العقل فقد غشيه وشوشه.

وأما اللسان فقد حجزه وأبكمه والأطراف فقد ضعفها ووهنها وخدرها فإن بقيت فيه قوة سمعت له عند نزع الروح وجذبها خوارًا وغرغرة من حلقه وصدره وقد تغير لونه واربد وجهه حتى كأنه ظهر من التراب الذي هو أصله.

وقد جذب منه كل عرق على حدته فالألم منتشر في داخله وخارجه حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>