وصية الإمام الغزالي لبعض إخوانه، فقال: وإني أوصي هذا الأخ أن يصرف إلى الآخرة همته وأن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب ويراقب سريرته وعلانيته وقصده، وهمته، وأفعاله، وأقواله، وإصداره، وإيراده، أهي مقصورة على ما يقربه إلى الله تعالى ويوصله إلى سعادة الأبد، أو منصرفة إلى ما يعمر دنياه ويصلحها له إصلاحًا منغصًا، مشوبًا بالكدورات، مشحونًا بالغموم والهموم، ثم يختمها بالشقاوة والعياذ بالله؟
فليفتح عين بصيرته ولتنظر نفس ما قدمت لغد، وليعلم أنه لا ناظر لنفسه ولا مشفق سواه.
وليتدبر ما كان بصدده؛ فإن كان مشغولاً بعمارة ضيعة فلينظر: كم من قرية أهلكها الله تعالى وهى ظالمة، فهي خاوية على عروشها بعد إعمالها؟
وإن كان مقبلاً على استخراج ماء، وعمارة نهر؛ فلينظر: كم من بئر معطلة وقصر مشيد بعد عمارتها؟
وإن كان مهتمًا بتأسيس بناء؛ فليتأمل: كم من قصور مشيدة البنيان محكمة القواعد والأركان، أظلمت بعد سكانها؟
وإن كان مشغوفًا - والعياذ بالله - بخدمة سلطان، فليتذكر ما ورد في الخبر أنه ينادي مناد يوم القيامة: أين الظلمة وأعوانهم؟ فلا يبقى أحد مد لهم دواة أو برى لهم قلمًا فما فوق ذلك إلا حضر، فيجمعون في تابوت من نار، فيلقون في جهنم.
وعلى الجملة، فالناس كلهم إلا من عصم الله نسوا الله فنسيهم، وأعرضوا عن التزود للآخرة، وأقبلوا على طلب أمرين: الجاه والمال، فإن كان هو في طلب جاه ورياسة،