يضاف إِلَى ذلك امتصاصه دمها الذي هو اللبن مدة الرضاع، ولو لك يكن مِنْه لهدم بدنها وإضعافه وإذهاب قوتها إلا هذا الامتصاص لكفى.
فإذا شب وبرزت أسنانه، وقويت معدته عَلَى قبول الطعام وهضمه وانفتحت شهواته له، انفتح لوالديه باب الفكر والكد لجلب طعامه وشرابه وسائر شؤونه، وبرما احتملا ألم الغربة والسفر إِلَى بلد بعيد لطلب المعيشة للأولاد.
وكثيرًا مَا يضحي الوالدان براحتهما فِي سبيل راحة الأبناء والبنات، والطفل يعرف أمه ويحبها قبل كل أحد فإذا غابت صاح حتى تأتيه وإذا أعرضت عنه دعاها وناحها بما يقدر عليه من كلام أو غيره وإذا أصابه شيء يؤلمه استغاث وناداها، يظن أن الخير كله عندها وأن الشر لا يخلص إليه مَا دامت تضمه عَلَى صدرها وترعاه بعينها وتذب دونه بيديها.
ولذلك هي مقدمة فِي الحضانة إذا فراقها زوجها ولم تتزوج حتى يميز ويختار من شاء مِنْهمَا كما فِي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن امرأة قالت: يا رسول الله أن ابني هذا كان بطني له وعاء، وحجري له جواء، وثديي له سقاء، وزعم أبوه أنه ينتزعه مني فقال:«أنت أحق به مَا لَمْ تنكحي» . رواه أحمد وأبو داود.
ثم الولد لا يحب بعد أمه إلا أباه الذي إذا دخل هش وبش به أن خرج تعلق به وإذا حضر قعد عَلَى حجره، مستندًا عَلَى صدره، وإذا غاب سأل عنه وانتظره، يرى أنه إذا رضي أعطاه مَا يريد وإذا غضب ضربه وأدبه، يخوف من يؤذيه بأبيه، وأي حب واحترام بعد هذا،