للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من دنياه ومن تفرغ من الشواغل ولم يقبل على طاعة الله فهو أيضًا مخذول ومصروف عن طريقة الاستقامة والهدى ولا بركة فِي عمره.

وإذا تأملت أكثر الناس وجدت الذي حبسهم عن طاعة الله والإقبال عليه وتصريف أعمارهم فِي التوجه إليه بأنواع الطاعات هو كثرة أشغالهم فاشتغلت جوارحهم بخدمة الدنيا ليلاً ونهارًا شهورًا وأعوامًا حتى انقرض العمر كله فِي اللهو والبطالة والتقصير.

ومن الناس من قلت شواغلهم فِي الظاهر لوجود من قام بها عنهم لكن كثرة علائقهم وتفكراتهم فِي الباطن لكثرة مَا تعلق بهم من الشواغب فهم مستغرقون دائمًا فِي التفكير والتدبير والاختيار والتقديرات والاهتمام بأمور من تعلق بهم من الأنام.

لاسيما من كان له جاه ورياسة وخطة أو سياسة فهذا بعيد عن تصريف العمر واستغراقه فِي أنواع طاعة الله والإقبال عليه بقلبه وقالبه والحاصل أن الخير يكون غالبًا بإذن الله فِي التخفيف من الشواغل والعوائق التي تجذبه وتحفظه عن الطاعة إذا هم بها ويكون لا بركة فِي عمره أو قليل البركة فيه.

وإنما رتبت البركة فِي العمر على صلة الرحم لأن المرء إذا وصل رحمه أرضى ربه فأجله أقرباؤه واحترموه، فامتلأت نفسه سرورًا وشعر بمكانة عالية من أجل مَا وفقه الله له من صنيعه الذي صنع، والسرور منشط، كما أن الحزن مثبط، والشعور بالتعظيم عن أعمال مجيدة داع للإكثار مِنْهَا، وبذل الجهد فِي سبيلها.

وإن لَمْ يفعل لَمْ يحصل له ذلك كما قيل:

وَكَيْفَ يَسُودُ الْمَرْءُ مَنْ هُو مِثْلُهُ

بِلا مِنْةٍ مِنْه عَلَيْهِ وَلا يَدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>