فإن ابتلى أحدهم بشيء من ذلك ثم نجا قدر ذلك نعمة يشكر الله عليها.
وهذا غاية الجهل إذ صار شكرهم موقوفًا على أن تسلب عنهم النعمة ثم ترد إليهم في بعض الأحوال فالنعم في جميع الأحوال أولى بالشكر فلا ترى البصير يشكر نعمة البصر وصحته إلا أن يعمى فإذا أعيد بصره أحس بالنعمة وشكرها وعدها نعمة وهو مثل عبد السوء يضرب دائمًا فإذا ترك ضربه ساعة شكر وتقلد ذلك منه وإن ترك ضربه أصلاً غلبه البطر وترك الشكر فصار الناس لا يشكرون إلا المال الذي يتطرق الاختصاص إليه من حيث الكثرة والقلة وينسون جميع نعم الله عليهم.
شِعْرًا:
إِذَا شِئْتَ أَنْ تَبْقَى من الله نِعْمَة ... عَلَيْكَ فَأَكْثِرْ حَمْدَهُ مَعَ شُكْرِهِ
كما روي أن بعضهم شكا فقره إلى بعض أرباب البصيرة وأظهر شدة اغتمامه بذلك فقال له: أيسرك أنك أعمى ولك عشرة آلاف درهم قال لا قال أيسرك أنك أخرس ولك عشرة آلاف قال لا قال أيسرك أنك أقطع اليدين والرجلين ولك عشرون ألفًا قال لا قال أيسرك أنك ومجنون ولك عشرة آلاف درهم قال: لا قال أما تستحي أن تشكو مولاك وله عندك عروض بخمسين ألفًا.
ودخل ابن السماك على الرشيد في عظة فبكى ودعا بماء في قدح فقال: يا أمير المؤمنين لو منعت هذه الشربة إلا بالدنيا وما فيها أكنت