عافانَا الله وَإِيَّاكَ أبا بكر من الفتن، ورحمك من النار، فقَدْ أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك مَنْهَا، أصبحت شيخًا كبيرًا قَدْ أثقلتك نعم الله عَلَيْكَ، بما أصح من بدنك، وأطال من عمرك، وعلمت حجج الله تَعَالَى مِمَّا حَمَلَكَ من كتابه، وفقهك فيه من دينه، وفهمك من سُنَّة نبيك - صلى الله عليه وسلم -، فرمى بك فِي كُلّ نعمة أنعمها عَلَيْكَ وكل حجة يحتج بها عَلَيْكَ، وقَدْ قَالَ تَعَالَى:{لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} .
انظر.. أي رجل تَكُون إِذَا وقفت بين يدي الله عَزَّ وَجَلَّ فسألك عَنْ نعمه عَلَيْكَ كيف رعيتها، وعن حججه عَلَيْكَ كيف قضيتها، ولا تحسبن الله راضيًا منك بالتغرير، ولا منك التقصير، هيهات لَيْسَ كَذَلِكَ.
أخذ على الْعُلَمَاء فِي كتابه إذ قال {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ} .. الآية.
اعْلَمْ أن أدنى ما ارتكبت، وأعظم ما احتقيت، أن آنست الظَالِم وسهلت لَهُ طَرِيق الغي بدنوك حين أدنيت، وأجابتك حين دعيت، فما أخلقك أن تبوء بإثمك غدا مَعَ الْجُمُعَة، وأن تسأل عما أردت بإغضائك عَنْ ظلم مظلمة.
إنك أخذت ما لَيْسَ لمن أعطاك، ودنوت ممن لا يرد على أحد حقًا، ولا ترك باطلاً حين أدناك، وأجبت من أراد التدلَيْسَ بدعائه إياك حين دعاك.
جعلوك قطبًا تدور باطلهم عَلَيْكَ، وجسرًا يعبرون بك إِلَى بلائهم،