والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
فَصْلٌ: اعلم أيها الأخ أن جميع مصيبات الدنيا وشرورها وأحزانها كأحلام نوم أو كظل زائل.
إن أضحكت قليلاً أبكت كثيرًا وإن سرت يومًا أو أيامًا ساءت أشهرًا أو أعوامًا وإن متعت قليلاً منعت طويلاً.
وما حصل للعبد فيها من سرور إلا أعقبه أحزان وشرور كما قيل: (من سره زمن ساءته أزمان) .
وقال بعض العلماء لبعض الملوك: إن أحق الناس بذم الدنيا وقلاها من بسط به فيها وأعطي حاجته منها.
لأنه يتوقع أفة تعدو على ماله فتجتاحه، أو على جمعه فتفرقه، أو تأتي سلطانه فتهدمه من قواعده.
أو تدب إلى جسمه فتسقمه، أو تفجعه بشيء هو ضنين به من أحبابه.
فالدنيا أحق بالذم هي الآخذة لما أعطت، والراجعة لما وهبت.
بينما هي تضحك صاحبها إذا هي تضحك منه غيره.
وبينما هي تبكي له إذ بكت عليه.
وبينما هي تبسط كفه بالإعطاء إذ بسطتها بالاسترداد.
تعقد التاج على رأس صاحبها اليوم وتعفره بالتراب غدًا.
سواء عليها ذهاب ما ذهب وبقاء ما بقي تجد في الباقي من الذاهب خلفًا وترضى بكل بدلاً.
شِعْرًا: ... بِأَمْرِ دُنْيَاكَ لا تَغْفَلْ وَكُنْ حَذِرًا ... فَقَدْ أَبَانَتْ لأَرْبَابِ النُّهَى عِبرا
فَأَيُّ عَيْشٍ بِهَا مَا شَابَهَ غَيْرٌ ... وَأَيُّ صَفْوٍ تَنَاهَى لَمْ يَصِرْ كَدَرا
كَمْ سَالَمٍ أَسْلَمْتَهُ لِلرَّدَى فَقَضَى ... حَتْفًا وَلَمْ يَقْضِ مِنْ لَذَّتِهَا وَطَرا