للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم أَرَى لِلْخَلائِقِ مِنْ مُرَبٍ ... كَعِلْمِ الشَّرعِ يُؤْخَذُ عن ثِقَاتِ

بِبَيْتِ اللهِ مَدْرَسَةٍ الأوَالِي ... لِمَنْ يَهْوَى العُلُومَ الرَّاقِيَاتِ

(فَصْلٌ)

النَّصِيحَة مرتان: فالأولي فرض وديانة، وَالثَّانِيَة تنبيه وتذكير، وأما الثالثة فتوبيخ وتقريع إن أمكن ولم يحصل عَلَيْكَ ضرر، والنصح سراً لا جهراً وبتعريض لا تصريح إلا أن لا يفهم المنصوح تعريضك فلابد من التصريح، ولا تنصح عَلَى شرط القبول منك فإن تعديت فأَنْتَ مخطئ.

من أردت قضاء حاجته بعد أن سألك إياها أو أردت ابتداءه بقضائها فلا تعمل إلا ما يريده هُوَ لا ما تريده أَنْتَ وإلا فأمسك فإن تعديت هَذَا كنت مسيئاً لا محسناً.

لا تنقل إلي صَدِيقكَ ما يؤلم نَفْسَهُ ولا ينتفع بمعرفته ولا تكتمه ما يستضر بجهله ولا يسرك أن تمدح بما لَيْسَ فيك لأنَّ نقصك ينبه النَّاس عَلَيْهِ بل الَّذِي ينبغي لك غمك بذَلِكَ وقديماً قيل:

وَمَدْحُكَ الشَّخْصَ بِالأخلاق يَعْدمُهَا ... لِلْحُرِ ذِي اللُّبِ تَبْكِيْتٌ وتَخْجِيْلٌ

ما شَيء أضيع وأضعف من عَالم ترك النَّاس علمه لفساد طريقته، وما شَيء أضيع وأضعف من جاهل أخذ النَّاس بجهله لنظرهم إلي عبادته.

وروي أن عمر أتي بشاهد عنده فَقَالَ لَهُ ائتني بمن يعرفك فأتاه برجل فأثني عَلَيْهِ خيراً، فَقَالَ لَهُ عمر أَنْتَ جاره الأدني الَّذِي يعرف مدخله ومخرجه.

قال لا قال فكنت رفيقه فِي السفر الَّذِي يستدل به عَلَى مكارم الأخلاق، قال لا قال فعاملته بالدرهم والدينار، قال لا.

قال أظنك رأيته قائماًً فِي المسجد يهمهم بالقرآن يخفض رأسه طوراً ويرفعه أخري.

قال نعم قال اذهب فلست تعرفه ثُمَّ قال للرجل اذهب فأتني بمن يعرفك.

<<  <  ج: ص:  >  >>