للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن علمه بتلك الخطيئة، وقبحها وعن كراهتها واجتنابها.

وحبها يوقع فِي الشبهات، ثُمَّ فِي المكروهات، ثُمَّ فِي المحرمَاتَ، وطالما أوقع فِي الكفر، بل جميع الأمم المكذوبة لأنبيائهم إِنَّمَا حملهم على كفرهم وهلاكهم حب الدُّنْيَا، فَإِنَّ الرسل لما نهوهم عَنْ الشرك والمعاصي التي كَانُوا يكتسبون بها الدُّنْيَا، حملهم حبها على مخالفتهم وتكذيبهم.

فكل خطيئة فِي العَالِم أصلها حب الدُّنْيَا، ولا تنس خطيئة الأبوين قديمًا، فإنما كَانَ سببها حب الخلود فِي الدُّنْيَا، ولا تنس ذنب إبلَيْسَ وسببه حب الرياسة، التي محبتها شر من محبة الدُّنْيَا.

وبسببها كفر فرعون وهامان وجنودهما، وأَبُو جهل وقومه، واليهود، فحب الدُّنْيَا والرياسة هُوَ الَّذِي عَمَرَ النار بأهلها.

والزهد فِي الدُّنْيَا والزهد فِي الرياسة هُوَ الَّذِي عَمَرَ الْجَنَّة بأهلها.

والسكر بحب الدُّنْيَا أعظم من السكر بشرب الخمر بكثير، وصَاحِب هَذَا السكر لا يفيق منه، إِلا فِي ظلمة اللحد، ولو انكشف عَنْهُ غطاؤه فِي الدُّنْيَا لعلم مَا كَانَ فيه من السكر، وأنه أشد من سكر الخمر والدُّنْيَا تسحر العقول أعظم سحر.

قَالَ الإمام أحمد: حدثنا سيار حدثنا جعفر قَالَ سمعت مالك بن دينار يَقُولُ: اتقوا السحارة، اتقوا السحارة، فَإِنَّهَا تسحر قُلُوب الْعُلَمَاء.

شِعْرًا: ... أَهْلُ الْمَنَاصِبِ فِي الدُّنْيَا وَرِفْعَتِهَا ... أَهْلُ الْفَضَائِلِ مَرْذُولُونَ عِنْدَهُمُ

قَدْ أَنْزَلُونَ لأَنَّا غَيْرَ جِنْسِهَمُ ... مَنَازِلَ الْوَحْشِ فِي الإِهْمَالِ بَيْنَهُمُ

فَمَا لَهُمْ فِي تَوَقِي ضُرِّنَا نَظَرٌ ... وَمَا لَهُمْ فِي تَرَقِّي قَدْرِنَا هِمَمُ

فَلَيْتَنَا لَوْ قَدِرْنَا أَنْ نُعَرِّفَهُمْ ... مِقْدَارَهُمْ عِنْدَنَا أَوْ لَوْ دَرَوْهُ هُمُوا

لَهُمْ مُريْحَانِ مِنْ جَهْلٍ وَفَرْطِ غِنَى ... وَعِنْدَنَا النَّافِعَانِ الْعِلْمُ وَالْهِمَمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>