للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقَدْ ورد فِي الْحَدِيث أن النَّبِيّ ? كَانَ يَقُولُ "يا مثَبِّتْ القُلُوب ثَبِّتْ قلوبنا عَلَى دينك، يا مصرف القُلُوب اصرف قلوبنا إلي طاعتك". وفِي حديث آخر: "مثل الْقَلْب كمثل ريشة بأرض فلاة تقلبِهَا الرياح" واعْلم أن القُلُوب فِي الثبات عَلَى الْخَيْر والشر والتردد بينهما ثلاثة: الأول قلب عمر بالتقوي، وزكي بالرياضة، وطهر عن خبائث الأخلاق، فتنفرج فِيه خواطر الْخَيْر من خزائن الغيب، فيمده الملك بالهُدَى.

الْقَلْب الثاني: قلب مخذول، مشحون بالهَوَى، ودنيس بالخبائث ملوث بالأخلاق الذميمة فيقوي فِيه سلطان الشيطان لاتساع مكانه، فيضعف سلطان الإيمان، ويمتلئ الْقَلْب بدخان الهَوَى، فيعدم النور، ويصير كالعين الممتلئة بالدخان لا يمكنها النظر؛ ولا يؤثر عنده زجر ولا وعظ.

والْقَلْب الثالث: قلب يبتدئ فِيه خاطر الهَوَى، فيدعوه إلي الشر، فيلحقه خاطر الإيمان، فيدعوه إلي الخير. مثاله، أن يحمل الشيطان حملة عَلَى العقل، ويقوي داعي الهَوَى، وَيَقُولُ: أما تري فلانَاً وفلانَاً كيف يطلقون أنفسهم فِي هواها حتي يعد جماعة من العلماء، فتميل النفس إلي الشيطان، فيحمل الملك حملة عَلَى الشيطان، وَيَقُولُ: هل هلك إلا من نسي العاقبة، فلا تغتر بغَفْلَة النَّاس عن أنفسهم، أرَأَيْت لَوْ وقفوا فِي الصيف فِي الشمس ولك بيت بارد، أكنت توافقهم أم تطلب المصلحة؟ أفتخالفهم فِي حر الشمس، ولا تخالفهم فيما يؤول إلي النار فتميل النفس إلي قول الملك، ويقع التردد بين الجندين، إلي أن يغلب عَلَى الْقَلْب ما هُوَ أولي به، فمن خلق للخَيْر يسر لَهُ ومن خلق للشر يسر لَهُ قال تعالى {فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء} اللَّهُمَّ وفقنا لما تحبه وترضاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>