للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ جَاءَ يَسْتَقْضِي مِنَ النَّاسِ حَاجَةٌ ... يَرَى أَنَّهَا حَقٌ عَلَيْهمْ مُرَتَّبَا

وَإِنْ طَالَبُوهُ أَوْ أَبَوْهُ بِحَقْهِمْ ... لَوَى وَجْهَهُ غَيْظَاً عَلَيْهِمْ وَقَطَّبَا

يَرَى أَنَّ كُلَّ النَّاسِ قَدْ خُلِقُوا لَهُ ... عَبِيْداً وَفِي كُلِّ القُلُوبِ مُحَبَّبَا

فَلاَ يَرْتَضِي إِنْ لم يَكُنْ تَحْتَ أَمْرِهِ ... مِنَ الكَوْنِ يَجْرِي مَا أَرَادَ وَمَا أَبَى

وَاللهُ أَعْلم وصلي الله عَلَى مُحَمَّد وآله وصحبه وسلم.

(فَصْلٌ)

وإن كَانَ التكبر بالجمال فدواؤه أن ينظر إلي باطنه نظر العقلاء، ولا ينظر إلي الظاهر نظر البهائم، ومهما نظر إلي باطنه رأي من القبائح ما يكدر عَلَيْهِ تعززه بالجمال، فإن الأقذار فِي جَمِيع أجزائه، فالرجيع فِي أمعائه، والبول فِي مثانته والمخاط فِي أنفه، والبزاق فِي فمه، والوسخ فِي أذنيه، والدم فِي عروقه، والصديد تحت بشرته والصنان تحت إبطه، يغسل الغائط بيده كُلّ يوم مرتين أو ثلاثاً ليخرج من باطنه ما لَوْ عاينه لاستقذره، فضلاً عن أن يمسه أو يشمه، فهل يليق بمن هذه حآله الكبر والتعاظم. كلا ما يليق به إلا التواضع للذي أوجده.

وفِي أول أمره خلق من النطفة وفِي بطن أمه يتغذي بدم الحيض، وأخرج من مجري البول مرتين، قال طاووس لعمر بن عَبْد الْعَزِيز – قبل توليه الخلافة وزهده فِي الدُّنْيَا –: ما هذه مشية من فِي بطنه خراء، إذ رآه يتبخر، فإِذَا نظر إلي أنه خلق من ماء مهين، وأسكن فِي أقذار، وسيموت فيصير جيفة لم يفتخر بجمآله الَّذِي هُوَ كخضراء الدمن، كيف ولَوْ كَانَ جمآله باقياً، وجسمه عن هذه الأشْيَاءِ خَالِيًا، لكَانَ يجب عَلَيْهِ أن لا يتكبر، ويعلم أن هَذَا عرضة للزَوَال بمرض أو حرق أو قرحة أو برص أو تشويه، فمعرفة هَذَا تماماً تنزع بإذن الله من الْقَلْب داء الكبر والعجب لمن أكثر تأملها.

شِعْراً: ... لَيْسَ الكَرِيْمُ الَّذِي إِنْ نَالَ مَكْرُمَةً ... أَوْ نَالَ مَالاً عَلَى إِخْوَانِهِ تَاهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>