بعينها إلا أنه لو لم يخلق لك إلا هذا لكنت ناقصًا إذ لا تدرك بذلك ما وراء الجدار والحجاب فربما قصدك عدو بينك وبينه حجاب وقرب منك قبل أن ينكشف الحجاب فتعجز عن الهرب فخلق لك السمع حتى تدرك به الأصوات من الحجرات عند جريات الحركات ولا يكفي ذلك لو لم يكن لك حسن ذوق إذ به تعلم ما يوافقك وما يضرك بخلاف الشجرة فإنه يصب في أصلها كل مائع ولا ذوق لها فتجذبه وربما يكون ذلك سبب جفافها وتلافها.
ثم أكرمك تعالى بصفة أخرى هي أشرف من الكل وهو العقل فبه تدرك الأطعمة ومنفعتها وما يضر في المال وبه تدرك طبخ الأطعمة وتأليفها وإعداد أسبابها فتنتفع به في الأكل الذي هو سبب صحتك وهي أدنى فوائد العقل والحكمة الكبرى فيه معرفة الله تعالى.
وما ذكرنا من الحواس الخمس الظاهرة فهي بعض الإدراكات ولا تظن أننا استوفينا شيئًا من ذلك فإن البصر واحد من الحواس والعين آلة له وقد ركبت العين من عشر طبقات مختلفة بعضها رطوبات وبعضها أغشية مختلفة.
ولكل واحدة من الطبقات العشر صفة وصورة وشكل وهيئة وتدبير وتركيب لو اختلفت طبقة واحدة منها أو صفة واحدة لاختل البصر، وعجز عنه الأطباء كلهم فهذا في حس واحد وقس حاسة السمع وسائر الحواس ولا يمكن أن يستوفى ذلك في مجلدات فكيف في جميع البدن.
ثم انظر بعد ذلك في خلق الإرادة والقدرة وآلات الحركة من أصناف النعم وذلك أنه لو خلق لك البصر حتى تدرك به