أين الَّذِينَ لا يعرفون إِلا النصح لِلْمُسِلِمِينَ يبعدون عن الغش كُلّ البعد، بعث أبو حنيفة بمتاع إلى شريكه في التجارة حفص بن عبد الرحمن وأعلمه أن في ثوب منه عيبًا واستوفى الثمن كاملاً لثوب غير كامل وقيل ثمن المتاع الَّذِي بيع ثلاثون ألفًا أو خمسة وثلاثون ألفًا فأبى أبو حنيفة إِلا أن يبعث لشريكه في التجارة يكلفه أن يبحث عن المشتري ولكن لم يجده بعد البحث عَنْهُ.
فأبى أبو حنيفة إِلا انفصالاً من شريكه وتتاركا بل أبى أبو حنيفة أن يضيف الثمن إلى حُر ماله وتصدق به كاملاً من شدة الورع.
ويروى أنه كَانَ عِنْدَ يونس بن عبيد حُلل مختلفة الثمان ضَرْبٌ قيمة كُلّ حُلة منه أربعمائة وَضَرَّبُ كُلّ حلة قيمتها مائتان فمر إلى الصَّلاة وخلف ابن أخيه في الدكَانَ فَجَاءَ أعرابي وطلب حُلة بأربعمائة فعرض عَلَيْهِ من حلل المائتين فاستحسنها ورضيها واشتراها ومضي بها وهي على يديه.
فاستقبله يونس فعرف حُلته فَقَالَ الأعرابي: بكم اشتريت؟ فَقَالَ: بأربعمائة. فَقَالَ: لا تساوي أكثر من مائتين فارجع حتى تردها. فَقَالَ: هذه تساوي في بلدنا خمسمائة وأنَا ارتضيتها. فَقَالَ يونس: انصرف فإن النصح في الدين خَيْر من الدُّنْيَا وما فيها.
ثُمَّ رده إلى الدكَانَ ورد عَلَيْهِ مائتي درهم وخاصم ابن أخيه في ذَلِكَ وَقَالَ: أما استحيت أما اتقيت الله تربح مثل ثمنها وتترك النصح لِلْمُسِلِمِينَ فَقَالَ: وَاللهِ ما أخذها إِلا وَهُوَ راض بها. قال: فهل رضيت له بما ترضاه لنفسك.
وروي عن مُحَمَّد بن المنكدر أن غلامه باع لأعرابي في غيبته من الخمسيات بعشرة فلم يزل يطلب ذَلِكَ الأعرابي طول النَّهَارَ ليرد عَلَيْهِ خمسة حتى وجده فَقَالَ له: إن الغلام قَدْ غلط فباعك ما يساوي خمسةً بعشر.
فَقَالَ: يا هَذَا رضيت. فَقَالَ: وإن رضيت فإنَّا لا نرضى لك إِلا ما نرضاه