للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ» . وَقُلْ لَهُ: الأَوْلَى بِكَ أَنْ تُفَتِّشَ عَلَى نَفْسِكَ وَعُيُوبِهَا، وَتَسْعَى فِي إِصْلاحِهَا وَاحْذَرْ أَنْ تَتَّصِفَ بِمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

... شَرُّ الوَرَى مَنْ بِعَيْبِ النَّاسِ مُشْتَغِلاً

مِثْلُ الذُّبَابِ يُرَاعِي مَوْضِعَ الْعِلَل ... >?

وَاعْمَلْ بِمَا قَالَ الآخر:

... عَلَيْكَ نَفْسَكَ فَتِّشْ عَنْ مَعَائِبِهَا

وَخَلِّ مِنْ عَثَرَاتِ النَّاسِ لِلنَّاسِ ... >?

وَإِذَا كَانَ الْغِشُّ - وَهُوَ تَقْدِيمُ الْبَاطِلِ فِي ثَوْبٍ مِنَ الْحَقِّ - يَكُونُ فِي الرَّأْيِ وَالْعَمَلِ، وَالْفَتْوَى وَالإِرْشَادِ، وَالتَّوْجِيهِ وَالْوَظِيفَةِ، فَإِنَّ غِشَّ الطَّعَامِ فِي الإِفْسَادِ أَقَلُّ بِدَرَجَاتٍ مِنْ الغِشِّ فِي هَذِهِ النَّوَاحِي، الْمُمْتَدُ أَثَرُهَا الشَّامِلُ ضَرَرُهَا، وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ السَّلَفُ يَفْهَمُونَ مَدَى ضَرَرِ الغِشِّ، وَيُطَبِّقُونَ أَحَادِيثَ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانُوا يُبَيِّنُونَ مَا فِي الْمَبِيعِ مِنْ عَيْبٍ وَلا يَكْتُمُونَ، وَيَصْدُقُونَ وَلا يَكْذِبُونَ، وَيَنْصَحُونَ وَلا يَغُشُّونَ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يَحِلُّ لامْرِئٍ مُسْلِمٍ يَبِيعُ سِلْعَةً يَعْلَمُ بِهَا دَاءً إِلا أَخْبَرَ بِهِ» .

وَبَاعَ ابنُ سِيرِينَ شَاةً، فَقَالَ لِلْمُشْتَرِي: أَبْرَأُ إليك مِنْ عَيْبٍ فِيهَا، إِنَّهَا تَقَلِبُ العَلَفَ بِرِجْلِهَا، وَبَاعَ الْحَسَنُ بن صَالِحٍ جَارِيَةً فَقَالَ لِلْمُشْتَرِي: إِنَّهَا مَرَّةً عِنْدَنَا تَنَخَّمَتْ دَمًا، وَمَعَ هَذَا يَأْبَى ضَمِيرُ الْمُؤْمِنِ إِلا أَنْ يَذْكُرَ الْعَيْبَ وَإِنْ نَقَصَ الثَّمَنُ، وَتَتَأكَّدَ الْحُرْمَةُ إِذَا قَوَّى غِشَّهُ بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَلِفُ مَنْفَعَةٌ لِلسِّلْعَةِ مَمْحَقَةٌ لِلْبَرَكَةِ» .

شِعْرًا: ... كُلْ وَاشْرَب الناسَ عَلَى خِبْرَةٍ ... فَهُمْ يَمُرُّونَ وَلا يَعْذُبُونْ

وَلا تُصَدِّقُهم إِذَا حَدَّثُوا ... فَإِنَّنِي أَعْهَدُهُمْ يَكْذِبُونْ

وَإِنْ أََرَوْكَ الوِدَّ عَنْ حَاجَةٍ ... فَفِي حِبَالٍ لَهُمْ يَجْذبُونْ

<<  <  ج: ص:  >  >>