للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ)

فائدة عظيمة النفع في دفع فضول الغم والهم الغم يكون للماضي والهم يكون للمستقبل، فمن اغتنم لما مضى من ذنوبه نفعه غمه على تفريطه، لأنه يثاب عليه.

ومن اهتم بعمل خير نفعاه همته، قال الله جلا وعلا: {وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللهِ} فأما إذا اغتنم لمفقود من الدنيا، فالمفقود لا يرجع والغم يؤذي، فكأنه أضاف إلى الأذى أذى.

وينبغي للحازم أن يحترز مما يجلب الغم، وجالبه فقد محبوب فمن كثرت محبوباته كثر غمه ومن قللها قل غمه.

ثم إن الإنسان كلما طال إلفه لما يحبه واستمتاعه به تمكن من قلبه، فإذا فقده أحس من مر التألم في لحظة لفقده بما يزيد على لذات دهره المتقدم.

وهذا لأن المحبوب ملائم فإن اضطر إلى جوالب الغم فأثمرت الغم فعلاجه الإيمان بالقضاء والقدر وأنه لا بد مما قضي بقضاء الله قدره وأنه الفعال لما يريد لا يكون شيء إلا عن تدبيره ولا محيد لأحد عن القدر المقدور ولا يتجاوز ما خط في اللوح المسطور ثم يعلم أن الدنيا موضوعة على الكدر فالبناء إلى النقض والجمع إلى التفرق ومن رام بقاء ما لا يبقى كمن رام وجود ما لا يوجد فلا ينبغي أن يطلب من الدنيا ما لم توضع عليه، قال الشاعر:

طُبِعَتْ عَلَى كَدَرٍ وَأَنْتَ تُرِيدُهَا ... صَفْوًا مِنَ الأَقْذَاءِ وَالأَكْدَارِ

وَمُكَلِّفُ الأَيَّامِ ضِدَّ طِبَاعِهَا ... مُتَطَلِّبٌ فِي الْمَاءِ جَذْوَةَ نَارِ

ثم يتصور ما نزل به مضاعفا فيهون عليه حينئذ ما هو فيه ومن عادة الحمال الحازم أن يضع فوق حمله شيئًا ثقيلاً ثم يمشي به خطوات ثم ينزله فيخف الحمل عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>