" فَصْلٌ "
وَعَنْ أَبِي قُدَامَةَ السَّرْخَسِيّ قَالَ: قَامَ الْعمريُّ لِلْخَلِيفَةِ عَلَى الطَّرِيقِ فَقَالَ لَهُ: فَعَلْتَ وَفَعْلْتَ. فَقَالَ لَهُ: مَاذَا تُرِيدُ؟ قَالَ: تَعْمَلُ بِكَذَا وَتَعْمَلُ بِكَذَا. فَقَالَ لَهُ هَارِون: نَعْم يَا عَم نَعَم يَا عم.
وَعَنْ سَعِيد بن سُلَيْمَان قَالَ: كُنْتُ بِمَكَّة فِي زُقَاقِ الشّطوي وَإِلَى جَنْبِي عَبْد اللهِ بن عَبْد الْعَزِيز الْعُمَرِيِّ وَقَدْ حَجَّ هَارُون الرَّشِيد.
فَقَالَ لَهُ إِنْسَانٌ: يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَنِ هُوَ ذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَسْعَى قَدْ أُخْلِيَ لَهُ الْمَسْعَى. قَالَ الْعُمَرِيُّ لِلرَّجُلِ: لا جَزَاكَ اللهُ عَنِّي خَيْرًا، كَلَفْتَنِي أَمْرًا كُنْتُ عَنْهُ غَنِيًا. ثُمَّ تَعَلَّقَ نعَلَيْهِ (أَي لَبِسَهُمَا) .
وَقَامَ فَتَبِعته وَأَقْبَلَ هَارُونُ الرَّشِيد مِنَ الْمَرْوَةِ يُرِيدُ الصَّفَا فَصَاحَ بِهِ: يَا هَارُونُ! فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ قَالَ: لَبَّيْكَ يَا عَمّ. قَالَ: ارْقِ الصَّفَا. فَلَمَّا رَقِيَهُ.
قَالَ: ارْمِ بِطَرْفِكِ إِلَى الْبَيْتِ. قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ. قَالَ: كَمْ هُمْ؟ قَالَ: وَمَنْ يَحْصِيهُمْ؟ قَالَ: فَكَمْ فِي النَّاسِ مِثْلِهِمْ؟ قَالَ: خَلْقٌ لا يُحْصِيهُمْ إِلا اللهُ.
قَالَ: اعْلَمْ أَيُّهَا الرَّجُلُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُسْأَلُ عَنْ خَاصَّةِ نَفْسهُ وَأَنْتَ وَحْدُكَ تُسْأَلُ عَنْهُمْ كُلّهمْ فَانْظُرْ كَيْفَ تَكُونُ؟ قَالَ: فَبَكَى هَارُونُ وَجَلَسَ وَجَعَلُوا يُعْطُونَهُ مِنْدِيلاً مِنْدِيلاً لِلدُّمُوعِ.
قَالَ الْعُمَرِيًّ: وَأُخْرَى أَقُولُهَا. قَالَ: قُلْ يَا عَمّ. قَالَ: وَاللهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيُسْرِفَ فِي مَالِهِ فَيَسْتَحِقُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ بِمَنْ يُسْرِفُ فِي مَالِ الْمُسْلِمِينَ؟ ثُمَّ مَضَى وَهَارُونُ يَبْكِي.
قَالَ مُحَمَّد بن خَلَف: سَمِعْتُ مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَنِ يَقُولُ: بَلَغَنِي أَنَّ هَارُونَ الرَّشِيد قَالَ: إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ أَحِجُّ كُلَّ سَنَةٍ مَا يَمنعنني إِلا رَجُل مِنْ وَلَدِ عُمَر ثُمَّ يُسْمِعُنِي مَا أَكْرَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute