للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسبحان من بهرت حكمته العقول والألباب، وشهدت فطر عباده وعقولهم بأنه أحكم الحاكمين ورب العالمين، لا إله إِلا هُوَ.

وَاللهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَمَ.

(فَصْلٌ)

خطب أمير الْمُؤْمِنِين علي بن أبي طالب رضوان الله عَلَيْهِ بالكوفة، فَقَالَ في كلام له:

سبحانك خالقًا معبودًا بحسن بَلائِكَ في خلقك، خلقت دارًا وجعلت مأدبة ومطعمًا ومشربًا، وأزواجًا وقصورًا، وخدمًا وعيونًا وأنهارًا، ثُمَّ أرسلت داعيًا إلينا، فلا الداعي أجبنا، ولا فيما رغبتنا رغبنا، أقبلنا على جيفة نأكل منها، قَدْ زَادَ بعضنا على بعض حرصًا عَلَيْهَا، وافتضحنا لما اصطلحنا على حبها، عميت أبصار صالحينا وفقهائنا فيها، ولها من في قَلْبهُ مرض، فهو ينظر بعين غير صحيحة، ويسمَعَ بأذن غير سميعة، وقَدْ ملكت الشهوات عقله، وأماتت الدُّنْيَا قَلْبهُ، وذهلت عَلَيْهَا نَفْسهُ، فهو عبدها وعبد من في يديه منها شَيْء، حيثما زالت زال معها، وحيثما أقبلت أقبل إليها، لا يعقل ولا يسمَعَ، ولا يزدجر من الله بزاجر، ولا يتعظ من الله بواعظ. قَدْ رأى المأخوذين على الغرة حيث لا إقالة ولا رجعة كيف فاجاتهم تلك الأمور، ونزل بِهُمْ ما كَانُوا يوعدون، وفارقوا الدور، وصاروا إلى القبور، ولقوا دواهي تلك الأمور، فإذا نزلت بقُلُوبهمْ حسرات أنفسهم، اجتمعت عَلَيْهمْ خصلتان، حَسْرَة الفوت، وسكرة الموت، تفطرت لها قُلُوبهمْ، وتغيرت ألوانهم، وتردد فوافهم وحركوا لمخَرَجَ أرواحهم أيديهم وأرجلهم، فعرقت لذَلِكَ جباههم، ثُمَّ ازداد الموت فيهم، فحيل بين أحدهم ومنطقه وأنه لبين ظهراني قومه ففكر بعقل بقي له: فيم فني عمره، وفيم ذهبت أيامه!!

عن الأصمعي رَحِمَهُ اللهُ قال: حجبت فنزلت ضرية في يوم جمعة، فإذا أعرابي قَدْ كور عمامته، وتنكب قوسه، فصعد المنبر فحمد الله، وأثنى عَلَيْهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>