إِذَا أَمَرَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِالأَمْرِ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّ فِيهِ ظُلْمًا فَالآن لَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْقَوْلَ.
وَأَبَى الْحَسَنُ الْبَصَرِيّ رَحِمَهُ اللهُ إِلا أَنْ يَصْدَعَ بِالْحَقِّ وَيَنْقِذَ الشَّعْبَ مِنْ ظُلْمِ ابْن هَبِيرةً وينقذ ابن هبيرة مِنْ عَذَابِ اللهِ إِنْ أَطَاعَهُ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ حَقَّ الرَّعِيَّةِ لازِمٌ لَكَ وَحَقٌّ عَلَيْكَ أَنْ تَحُوطَهُمْ بالنَّصِيحَة وَقَدْ قَالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةٌ يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ.
اعْلَمْ أَنَّ حَقَّ اللهِ أَلْزَمَ مِنْ حَقِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ يُطَاعَ وَلا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ يَا ابْنَ هبيرة اتَّقِ اللهَ فَإِنَّهُ يُوشُكُ أَنْ يَأْتِيَكَ رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ يُزِيلُكَ عَنْ سَرِيرِكَ وَيُخْرِجُكَ مِنْ سِعَةِ قَصْرِكَ إِلَى ضِيقِ قَبْرِكَ فَتَدَعُ سُلْطَانِكَ وَدُنْيَاكَ خَلْفَ ظَهْرِكَ وَتَقْدُمُ عَلَى رَبِّكَ وَتَنْزِلَ عَلَى عَمَلِكَ.
يَا ابْن هَبِيرةَ إِنَّ اللهَ لَيَمْنَعُكَ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَلا يَمْنَعُكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ اللهِ وَإِنَّ أَمْرَ اللهِ فَوْقَ كُلِّ أَمْرٍ وَإِنِّي أُحَذِّرُكَ بَأْسَهُ الَّذِي لا يُرَدُّ عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ.
فَقَالَ لَهُ ابن هبيرة: إرْبع عَلَى ظلعك أَيُّهَا الشَّيْخُ، وأعرض عَنْ ذكر أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صَاحِبُ الْعِلْمِ وَصَاحِبُ الْحُكْمِ وصَاحِبُ الْفَضْلِ وَإِنَّمَا وَلاهُ اللهُ تَعَالَى مِنْ أَمْرِ هَذِهِ الأُمَّةِ لِعِلْمِهِ بِهِ وَمَا يَعْلَمُهُ مِنْ فَضْلِهِ وَنِيَّتِهِ. فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: يَا ابن هبيرة الْحِسَابُ وَرَائِكَ سَوْطٌ بِسَوْطٍ وَغَضَبٌ بِغَضَبٍ وَاللهُ بِالْمِرْصَادِ إِنَّكَ إِنْ تَلْقَى مَنْ يَنْصَحُ لَكَ فِي دِينِكِ وَيَحْمِلُكَ عَلَى أَمْرِ آخِرَتِكَ خَيْر مِنْ أَنْ إن تَلْقَى رَجُلاً يَغُرُكَ وَيُمَنِّيكَ. فَقَامَ ابْن هبيرة مِنَ الْمَجْلِسِ وَقَدْ اصْفَرَّ وَجْهُهُ وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَعَلَيْهِ الْكَآبَة وَقَامَ الْحَسَنُ وَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ وَأَرْضَى رَبَّهُ وَأَخَلَصَ لَهُ وَنَصَحَ لأُمَّتِهِ وَهَكَذَا الْعُلَمَاءُ يَنْبِغِي أَنْ يَكُونُوا.
شِعْرًا: ... لا شَيْءَ أَبْلَغُ مِنْ ذُلٍ يُجَرِّعُهُ ... أَهْلُ الْخَسِيسَةِ أَهْلَ الدِّينِ وَالْحَسَبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute