للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعِلْمِ يَعْنِي الْعَامِلِينَ، أَمْ رَضِيَ بِفِعْلِكَ الأَيْتَامُ والأرَامِلُ، أَمْ رَضِيَ بِذَلِكَ خَلْقٌ مِنْ رَعِيَّتِكَ.

فَشُدَّ يَا هَارُونُ مِئْزَرَكَ، وَأَعِدّ لِلْمَسْأَلَةِ جَوَابًا وَلِلْبَلاءِ جِلْبَابًا، وَاعْلَمْ أَنَّكَ سَتَقِفُ بِيْنَ يَدَيِّ الْحَكَمِ الْعَدْلِ فَاتَّقِ اللهَ فِِي نَفْسِكَ إِذَ سُلِبْتَ حَلاوَةُ الْعِلْمِ وَالزُّهْدِ وَلَذَّةُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَمُجَالَسَةِ الأَخْيَارِ، وَرَضِيتُ لِنَفْسِكَ أَنْ تَكُونَ ظَالِمًا وَلِلظَّالِمِينَ إِمَامًا.

يَا هَارُونُ.. قَعِدْتَ عَلَى السَّرِيرِ، وَلَبِسْتَ الْحَرِيرِ، وَأَسْبَلْتَ سُتُورًا دُونَ بَابِكَ، وَتَشَبَّهْتَ بِالْحَجَبَةِ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ثُمَّ أَقْعَدْتَ أَجْنَادَكَ دُونَ بَابِكَ، وَسَتْرك يَظْلِمُونَ النَّاسَ، وَلا يُنْصِفُونَ، وَيَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيُحِدُّونَ الشَّارِبِ، وَيَزْنُونَ وَيُحِدُّونَ الزَّانِيَ، وَيَسْرَقُونَ السَّارِق، وَيَقْتُلُونَ وَيُحِدُّونَ الْقَاتِلِ.

أَفَلا كَانَتْ هَذِهِ الأَحْكَامُ عَلَيْكَ وَعَلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمُوا بِهَا عَلَى النَّاسِ.

فَكَيْفَ بِكَ يَا هَارُونُ غَدًا إِذَا نَادَى الْمُنَادِي مِنْ قِبَلِ اللهِ احْشُرُوا الظَّلَمَةَ وَأَعْوَانَهُمْ، فَتَقَدَّمْتَ بَيْنَ يَدَيِّ اللهِ وَيَدَاكَ مَغْلُولَتَانِ إِلَى عُنُقِكَ لا يَفُكَّهُمَا إِلا عَدْلُكَ وَإِنْصَافُكَ، وَالظَّالِمُونَ حَوْلَكَ وَأَنْتَ لَهُمْ إِمَامٌ أَوْ سَائِقٌ إِلَى النَّارِ.

وَكَأَنِّي بِكَ يَا هَارُونُ وَقَدْ أُخِذْتَ بِضِيقِ الْخِنَاقِ، وَوَرَدْتَ الْمَسَاقَ وَأَنْتَ تَرَى حَسَنَاتِكَ فِي مِيزَانِ غَيْرِكَ، وَسَيِّئَاتِ غَيْرِكَ فِي مِيزَانِكَ عَلَى سَيِّئَاتِكَ، بَلاءٌ عَلَى بَلاءٍ، وَظُلْمَةً فَوْقَ ظُلْمَةٍ.

فَاتَّقِ اللهَ يَا هَارُونُ فِي رَعِيَّتِكَ، وَاحْفَظْ مُحَمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - فِي أُمَّتِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ لَمْ يَصِرْ إِلَيْكَ إِلا وَهُوَ صَائِرٌ إِلَى غَيْرِكَ، وَكَذَلِكَ الدُّنْيَا تَفْعَلُ بِأَهْلِهَا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ تَزَوَّدَ زَادَ نَفْعَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَسِرَ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ، وَإِيَّاكَ ثُمَّ إِيَّاكَ أَنْ تَكْتُبَ إِلَيَّ بَعْدَ هَذَا، فَإِنِّي لا أُجِيبَكَ وَالسَّلام.

وَلَمَّا وَلِيَ ابْنُ هبيرةً حُكْمُ الْعِرَاقِ جمَعَ فُقَهَاءَهَا وَاسْتَشَارَهُمْ فِيمَا يَفْعَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>