كانت قبيلةُ مُزَينَةَ تَتَخِذوا منازلَها قَرِيبًا مِنْ يَثْرِبْ عَلَى الطَّرِيقِ الممتدة بين المدينةِ ومكة.
وكان الرسولُ صلواتُ الله وسلامُه عليه قد هاجرَ إلى المدينةِ، وَجَعَلَتْ أخبارُه تَصِلُ تِبَاعًا إِلى مُزَيْنَةَ مع الْغَادِينَ وَالرَّائِحينَ فَلا تسمعُ عَنْهُ إِلا خَيْرًا.
وفي ذاتِ عَشِيَّةٍ، جَلَسَ سِيِّدُ الْقَوْمِ، النعمانُ بن مقرِّنٍ الْمَزَنيُّ فِي ناديه مع إخوتِهِ وَمَشْيَخَةِ قَبِيلَتِهِ فَقَالَ لَهُمْ: يا قوم والله ما عَلِمْنا عن محمدٍ إِلا خيرًا، ولا سمعنا من دَعْوَتِهِ إِلا مَرْحَمَةً وَإِحْسَانًا وَعَدلاً، فَمَا بَالُنَا نُبْطئُ عنه والناسُ إليه يُسْرِعُون؟!
ثم أَتْبَعَ يقول: أَمَّا أَنَا فقد عَزَمْتُ عَلَى أَن أَغْدُو عَلَيْهِ، إِذَا أَصْبَحْتُ، فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ مَعِي فَلْيَتَجَهَّزْ.
وَكَأَنَّمَا مَسَّتْ كلماتُ النُّعْمَانِ وَتِرًا مُرْهَفًا في نفوسِ القوم، فما إن طَلَع الصباحُ حَتَّى وَجَدَ إِخْوَتَهُ الْعَشْرَةَ، وأربعمائة فارسٍ من فرسان مُزَيْنَةَ قَدْ جَهَّزوا أَنْفُسَهُمْ لِلْمُضِيِّ معه إلى يَثْرِبَ لِلِقَاءِ النَّبِيِّ صلواتُ الله وسلامهُ عليه، والدُّخُولِ في دينِ الله.