وَقَالَ لَهُم لَتَدَعُني وَإِلاَّ ذَهَبْتُ إلى مَكَّةَ فَنَزَلْتُ عَنْ هَذَا الأَمْرِ لِأَحَقِّ النَّاسِ بِهِ.
وَقَدْ اَجْتَهَدَ رَحِمَهُ اللهُ في مُدَّةِ وِلايَتِهِ مَعَ قِصَرِهَا حَتَّى رَدَّ المظَالِمَ وَصَرَفَ إلى كُلِّ ذِيْ حَقًّ حَقّهُ.
وَكَانَ مُنَادِيْهِ في كُلِّ يَوْمٍ يُنَادِيْ أَيْنَ الغَارِمُوْنَ أَيْنَ النَّاكِحُوْنَ أَيْنَ المسَاكِيْنُ أَيْنَ اليَتَامَى حَتَّى أَغَني كلاًّ مِنْ هَؤُلاءِ فَرَحْمَةُ اللهِ عَلى تِلْكَ الرُّوْحِ المَطْبُوعِ عَلى العَدْل والصدق والوَرَعِ والزُّهْدِ.
وقَالَتْ زَوْجَتُهُ فَاطِمَةُ دَخَلْتُ عَلَيْهِ يَوْماً وَهُوَ جَالِسٌ في مُصَلاَّهُ وَاضِعاً خَدَّهُ على يَدِهِ وَدُمُوُعُه تَسِيْلُ على خَدَّيْهِ فقُلتُ مَالَكَ فَقَالَ وَيْحَكِ يَا فَاطِمَة قد وُلِّيْتُ مِنْ أَمْرِ هذِهِ الأُمَّةِ مَا وُلِّيْتُ فَتَفَكَّرْتُ في الفَقِيْرِ الجَائِعِ وَالمظْلُوْمِ المَقْهُوْرِ وَالغَرِيْبِ وَالأَسِيْرِ وَالشَّيْخِ الكَبِيْرِ وذِي العِيَالِ الكَثِيْرِ وَالمرَيْض الضَّائِع والعَارِيْ المَجْهُودِ واليَتِيْمِ المكْسُوْرِ وَالأَرْمَلةِ الوَحِيْدَةِ والْمَالُ قَليْلٌ وَأَشْبَاهُهُم في أقطارِ الأرْضِ وَأَطْرَافِ البِلاَدِ.
فعَلِمْتُ أَنَّ رَبَّيْ عَزَّ وَجَلَّ سَيَسْأَلُنِي عَنْهُم يَوْمَ القِيَامَةِ وَأَنَّ خَصْمِيْ دُوْنَهُم محمد صلى الله عليه وسلم فخَشِيْتُ أنْ لا يَثْبُتَ لِيْ حُجِّةٌ عِنْدَ خُصُوْمَتِهِ فَرَحِمْتُ نَفْسِيْ فَبكيْتُ، قَالُوا: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَى ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَكَانَ إِذا غَسَلُوهُ جَلَسَ فِي المَنْزِلِ حَتَّى يَيْبَسَ. قَالُوا: وَدَخَلَ مَرَّةً عَلَى امْرَأَتِهِ فسَألَها أَنْ تُقْرِضَهُ دِرْهَماً أو فُلُوساً يَشْتَرِيْ لهُ بِهَا عِنَباً فلَمْ يَجِدْ عِنْدَهَا شَيْئاً فَقَالَتْ لهُ أنتَ أمِيْرُ المؤمنينَ وَلَيْسَ في خِزَانَتِكَ ما تَشْتَرِيْ بِهِ عِنَباً.
فَقَالَ: هَذَا أَيسَرُ مِنْ مُعَالَجَةِ الأَغْلَالِ وَالانْكَالِ غَداً في جَهَّنَم. قَالَ وَكَانَ سِرَاجُه عَلى ثلاثِ قَصَبَاتٍ في رَأْسِهِنَّ طِينٌ وَبَعَثَ يَوْمَاً غُلامَهُ لِيشْوِيْ لهُ لَحْماً فَجَاءَ بِهَا سَرِيْعاً مَشْويَّةً فَقَالَ أَيْنَ شَوَيْتَهَا قَالَ في المَطْبخِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute